كيف قامت إسرائيل الحديثة على الإرهاب

دولة الإرهاب، كيف قامت إسرائيل الحديثة على الإرهاب

تأليف : توماس سواريز

ترجمة: محمد عصفور

سلسلة عالم المعرفة# 460

المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت 2018

……

من الكتب القليلة التي تعاملت مع الصهيونية بطريقة مختلفة، عبر جهد دؤوب وجريء يتفحص تأثير الوجود الصهيوني على فلسطين، أرضاً وشعباً، منذ البدايات، وتأثير الأساليب التي استخدمتها الحركة الصهيونية لتثبيت “مشروعها القومي”. وكما هو واضح من العنوان، كان الإرهاب والعنف هو الطرق الذي سلكته الصهيونية ضد الفلسطينيين أولاً وبقية العرب لاحقاً ( وصولاً حتى العدوان الثلاثي سنة 1956).

يحدد سواريز الإطار الزمني لعمله في الفترة الممتدة من وعد بلفور حتى إعلان قيام إسرائيل و يستفيد بالدرجة الأولى من أرشيف المحفوظات الوطنية البريطانية  والوثائق التي تم رفع السرية عنها، لاسيما تلك التي تغطي فترة الانتداب البريطاني على فلسطين 1922-1948.  ويقول سواريز عن عمله أنه يعتمد بصورة أساسية على “وثائق الأرشيف الوطني التي رفعت عنها السرية. وعندما كنت مضطراً للاعتماد على الأعمال المنشورة، فقد وثقت بالمؤرخين المعروفين الذين يستشهدون بمصادر مباشرة. وكل ما سوف أقوله هنا يعتمد على مثل هذه المصادر”(1)

وينطلق من مسلّمة “صهيونية” عملت على تحويل فلسطين إلى دولة لليهود، يخضع فيها العرب لسلطتهم أو يتم طردهم منها، ولم يمانع الصهاينة من استخدام الإرهاب لتحقيق هذا الهدف، ويبرز المؤلف أهمية الإرهاب في الاستراتيجية الصهيونية من خلال اقتباس مقولة مناحيم بيغين الشهيرة: ” هدفنا أن نهاجم ونحتل ونحتفظ بكل فلسطين وشرق الأردن في إطار الدولة اليهودية الكبرى”. ويستنتج كيف كان لمثل هذه المقولات، وما يشبهها،  كبير الأثر على انتهاج سياسة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين، ضمن مخطط صهيونية شمولي “يشرعن” الرواية الصهيونية الرسمية للاستيلاء على فلسطين -بدون سكانها- وكان هذا ضرورياً للمطالبة بالأرض وإقناع اليهود بالهجرة، وهذا ما شكّل المدماك الأول في بناء الدولة من خلال التنسيق المتواصل بين الأجنحة الصهيونية \ اليهودية كافة. 

وحين يناقش المؤلف “الإرهاب” الفلسطيني فهو يضعه كرد فعل على الاضطهاد القومي الصهيونية لهم، والذي لم يتوقف, بما في ذلك الاقتلاع الوطني ومصادرة الأراضي واحتكار سوق العمل لصالح اليهود\الإسرائيليين، فيأتي ” الإرهاب” الفلسطيني كأحد الردود المتاحة، وأحد نتائج “عدم جدوى المقاومة اللاعنفية”، والفرق- حينذاك- بين الإرهاب الفلسطيني والإرهاب الصهيوني، أن الأول كانت تقوم به جماعات فضفاضة غير مؤطرة، في حين كان عناصر الإرهاب الصهاينة عبارة عن ميليشيات منظمة تعمل في مراكز المدن والحواضر اليهودية وتحميها المجتمعات اليهودية الاستيطانية، كما ساهم في ازدياد نشاطه القمع البريطاني الوحشي للثورة العربية الكبرى، التي انطلقت في العام 1936، لاسيما بعد صدور الكتاب الأبيض في العام 1939 الذي حاول أن يضع قيوداً على الهجرة اليهودية. لم يستثنِ الإرهاب الصهيوني أحد, ولم يميز بين أهدافه، فالمجموع الفلسطيني كان مستهدفاً: بشراً ومؤسسات وبنى تحتية .. إلخ، فضلاً عن استهداف السلطات الانتدابية، وكذلك منشآت وأفراد بريطانيين خارج فلسطين أيضاً ( خدمت الهجمات الدعاية الصهيونية بأنهم يخضون “حرب تحرير” ضد قوة استعمارية (2)) وحتى بعض اليهود خارج البلاد بهدف إلزامهم مغادرة أوطانهم للذهاب إلى فلسطين؛ واستعدادهم لإثارة معاداة السامية لتشجيع مثل هذه الخطوة؛ ومحاولاتهم منع اليهود النازحين من الذهاب إلى أي مكان آخر سوى فلسطين، فالأولوية القصوى كانت تعزيز قيام الدولة وليس “إنقاذ اليهود”. ففي موجز استخباراتي يعود لنيسان\ أبريل من العام 1945 يقول رئيس دائرة الهجرة في الوكالة اليهودية إلياهو دوبكين: ” إن اتباع أساليب إرهابية هناك [ يقصد أوروبا]  سوف تجبر يهود أوروبا على الانتقال إلى فلسطين بعد الحرب،  كما أن هذه الأساليب عينها يمكن استخدامها لمنعهم من المغادرة”. ويستنتج سواريز أن 15% فقط (من الضحايا اليهود) في فترة ما بعد الحرب ذهبوا طواعية إلى فلسطين رغم سنوات من الدعاية الصهيونية المكثفة. (يوضح سواريز بالتفصيل عدد اليهود غير الصهاينة الذين قتلوا، وكان بعضهم يعمل لدى السلطات البريطانية في فلسطين، ويقول أن سبب موتهم يعود لرفضهم الامتثال للمتطلبات الصهيونية).

لم تتوقف حدة الهجمات الصهيونية إلّا بعد إعلان الحرب العالمية الثانية، فخففت الهاغاناه (الميليشيا الصهيونية الرسمية) من استهدافها للعناصر البريطانية، وقامت السلطات البريطانية بتجنيد سكان البلاد من عرب ويهود في صفوف قوات الحلفاء (أصرّ اليهود على تشكيل فوج خاص بهم)، ومع نهاية العام 1942، حين بدأت الأمور تتضح لجهة  الانتصار الوشيك للحلفاء، استأنفت الميليشيات الصهيونية المسلحة حملة “الإرهاب الشامل”  كما وصفتها السلطات الانتدابية آنذاك. من أجل الوصول للهدف النهائي المعلن ” قام دولة لليهود في فلسطين”، ومن الواضح أن هذه الحملة العسكرية ” الإرهابية”  كانت أحد الأسباب التي أجبرت بريطانيا على اتخاذ قرارها بإنهاء انتدابها لفلسطين و إعلانها الانسحاب يوم 14 أيار\ مايو 1948, وهو ما مهّد الطريق لإعلان دولة إسرائيل في اليوم التالي.

يرى المؤلف أن معظم يهود العالم عارضوا الحركة الصهيونية حين نشأت، وفي بريطانيا رأى النائب في مجلس اللوردات إدوين مونتاغو-بدعم من قادة يهود آخرين-أن الصهاينة يظهرون كمتعاونين مع الأطراف التي تتبنى العداء للسامية الذين لم يخفوا سرورهم من الدعوات التي تنادي بطرد اليهود من أوروبا، أي من أوطانهم الحالية، نحو فلسطين أو أي مكان آخر، واتهم الحكومة البريطانية بمعاداة السامية لتواطؤها مع الصهاينة. وقد لعب اللورد مونتاغو دوراً نشطاً في تغيير مضمون تصريح بلفور من “فلسطين كوطن قومي لليهود” إلى “وطن قومي يهودي في فلسطين”، وهو ما يخالف اعتقاد الجماعات اليهودية الأرثوذكسية، بمن فيهم اليهود العرب سكان فلسطين، أن عودة اليهود إلى أرض إسرائيل لا يمكن أن تتم قبل قدوم المسيح، وقد رفض هؤلاء، الحركة الصهيونية لأنهم رؤوا فيها محاولة لاستبدال العقيدة الدينية اليهودية بإيديولوجيّة قوميّة علمانيّة، علماً أن الكثير من اليهود الليبراليون لم ينظروا لليهود كجماعة قومية تحتاج إلى وطن سياسي، ولذلك كانوا يدينون بالولاء لأوطانهم الحالية. ولم يتوقف رفض الصهيونية على القارة الأوروبية، فقد شكلت مجموعة من الحاخامات الإصلاحيين ،في الولايات المتحدة، المجلس الأمريكي لليهودية المناهضة للصهيونيّة، والذي مازال نشطاً حتى اليوم.

…..


1-للمزيد، انظر، https://mondoweiss.net/2017/01/terrorism-israeli-state/amp/

2- يقول سواريز في المصدر المذكور أعلاه  أنه “وفقًا لوثائق مجلس الوزراء البريطاني، كانت الفكرة وراء إعطاء الصهاينة الكثير من الأرض مقدماً، بمثابة محاولة من السلطات لتأخير حروب الصهاينة التوسعية. لقد كانت السلطات الانتدابية تدرك أنها لن تستطيع الوقوف في وجههم، لكنها كانت تأمل في تأخيره. وطبعاً، فشل هذه الأمر، ففي غضون بضعة أشهر من صدور القرار 181، كانت الجيوش الصهيونية تشن بالفعل حربها التوسعية الأولى، وتستولي على أكثر من نصف الأرض المخصصة للفلسطينيين في قرار التقسيم .  ولكن في مفارقة أورويلية بارزة [ نسبة إلى جورج أورويل]، مكنت حقيقة احتلال البريطانيين لفلسطين القادة الصهاينة من وضع مشروعهم الاستيطاني على أنه حركة تحرير ضد المستعمرين البريطانيين، وبالتالي فإن حملتهم الإرهابية في العام 1948، والمتمثلة في مصادرة الممتلكات والتطهير العرقي، تتحول في السردية الصهيونية إلى حرب “الاستقلال” أو “التحرر”. إن ما يسمى بحرب الاستقلال كانت في الحقيقة، على حد قول المفوض السامي البريطاني في ذلك الوقت، “عمليات تقوم على قصف النساء والأطفال المذعورين بالهاون”. إن برامجها الإذاعية التي تتفاخر بنجاحاتها ، “سواء من حيث المحتوى أو في طريقة التسليم، تشبه بشكل ملحوظ تلك التي بثّتها ألمانيا النازية”. كان الصهاينة ينظرون إلى التقارير التي تتحدث عن أعمالهم العدوانية الوحشية بنوع من البهجة، وكانت المخابرات البريطانية قد أشارت، أثناء ذلك، إلى أن الأساليب الصهيونية و الآلية الداخلية للدولة اليهودية ذات الطابع الشمولي في تعاملها مع “ممتلكات العدو” [ أي الأراضي العربية لتي استولت عليها] تضاهي ما كان سائداً في القرون الوسطى، وهذا حصل، بكل تأكيد، قبل ظهور أي مقاومة عربية”، انظر، https://mondoweiss.net/2017/01/terrorism-israeli-state/amp/

عن مركز الجرمق للدراسات

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *