كيف عرفتي الخبر يا خالدة؟

الموت قصّة، كلمات ورا كلمات، وولا إشي فيها بتصدّق ع الآخر إلّا شيء واحد: الحسرة ع الفقيد، وإمُّه. كلمات كثير، بتقول الموت قضيّة اللي بيضلّوا عايشين، بس كيف لمّا الإم بنفسها قضيّة ؟ لو سمعنا اغتالوها، لو اسمعنا اعتقلوها، لو سمعنا حطُّوها بالعزل، ما كنّا رح نتفاجأ، كنّا رح نقول اعتقلوا خالدة ؟ ونكمّل النهار. بس هذا شيء آخر، هذا الصخرة اللي نزلت فوق زنزانة متر، مزّعتها ومزّعتنا كُلنا. مرّات الأم بهيك حالة ما بتصدّق، ومرّات بتنجن، ومرّات بتصرّخ، وولا مرّة بترجع لطبيعتها، كيف وهي أصلًا الأم قصّة غير طبيعيّة. كيف عرفتي الخبر يا خالدة ؟ قلتي أكيد بشي مرحلة، إذا انسجنت ما بهكل هم، بناتي صاروا كبار وما بنخاف عليهن.

بشو نفكّر ؟ بسُهى الوردة اللي انقطفت بكّير، ولّا بالأم اللي ما شافتها ولا عبطتها ولا شمّتها ولا سألتها ولا أخذتها بالغصب زي كُل إم ع الدكتور.  يمكن آخر مرّة المرحومة سُهى عبطت إمها، كانت لمّا سمعت جيبات خفافيش الليل تحت البيت جايين يخطفوا إمها. يمكن ودّعتها لمّا سمعت صوت الآلة العسكريّة، لانه إذا وصلوا للبيت ما بعترفوا بحقنا بالوداع أكيد. بحطُّوا العصبة ع العيون، وبخطفوا الناس من بيوتها. كُنا منعرف خالدة الأسيرة، البطلة، القياديّة، الصلبة، بس اليوم هي أم. جرّبتوا تتخيّلوا كيف سمعت الخبر ؟ وين تصرّخ ؟ وين تركُض بزنزانة متر، كيف ترجع سهى طفلة بتكبر شوي شوي بحضن أم بخطفوها السفلة كُل يومين خطف.

كُل حياتنا، منعرف خالدة البطلة وخالدة المناضلة وخالدة الأسير والقياديّة. اليوم، اليوم، سُهى رجّعتها ببساطة وعظمة الطفلة، لخالدة الأم. رجّعتها، لخالدة اللي بتبكي وبتصرّخ وبتندب وبتسأل كيف، يمّا. كثير قصص وفاة، كُلها بتوجّع وبتخنق وبتقتل، بس عنّا زي كُل حياتنا، بتصير تراجيديا. بشكل عام بسألوا، وين كانت إمها ؟ لمّا مريضة ومتوفية لحالها بالبيت، قولوا لكُل العالم، إنّه إمها بالـ2019 خطفوها من البيت، ووقّفت الطفلة ع الشبّاك، وصوّرت آلات وحوش من حديد، وإمها بشي وحدة منهن…

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *