
ليس خافيًا على أحد علاقة التبعيّة المتبادلة بين إسرائيل الرسمية وبين “السلطة الوطنيّة” من خلال منظومة أوسلو واتفاقيات باريس الاقتصاديّة والتنسيق الأمني. كلّها آليات من التفاهمات على كيفية إدارة الضفّة الغربية وقطاع غزّة بأيدي “سُلطة” تعمل باتجاه واحد ـ باتجاه شعبها. تحفظ الأمن وتحول دون توجيه الطاقات الفلسطينية، النضالية المُقاوِمة خاصة، ضد الاحتلال ومشروع الاستيطان وجرائمهما.
وليس خافيًا على أحد أن جيلًا من النُخب الفلسطينية “يعيش” على هذه الترتيبات ومنها. وهو الذي يفسّر بدرجة كبيرة “الهدوء” الفلسطيني أو المراهنة الممتدّة على الوقت.
من هذه المكامن تأتي تصريحات رئيس الحكومة الفلسطينيّة د. محمد شتيّة إلى صحيفة وموقع “يديعوت أحرونوت” أن الإجراءات الإسرائيلية المعلنة ضد “السلطة” في ضوء توجّها إلى الأمم المتحدة من شأنها ـ الإجراءات ـ أن تؤدّي إلى انهيار “السلطة”. مثل هذه التصريحات تشي بطبيعة العلاقة بين إسرائيل الرسميّة وبين “السلطة”. فالأخيرة تقوم بمهمات كلّفتها بها إسرائيل الرسمية وفق الترتيبات على أن تضمن إسرائيل التمويل ـ اتفاقيات باريس الاقتصاديّة. على الأقلّ للجزء الأساسيّ من نشاط السلطة وهو ترويض الشعب الفلسطيني في أحسن حال وقمعه إذا اقتضت الضرورة في أسوأ حال.
هذا يعني في المستوى الاستراتيجي: إخضاع الإرادة الفلسطينية في شقّها الأساسيّ للإرادة السياسيّة والاستراتيجيّة الإسرائيلية. وهذا معناه في السياسة خفض مستوى حضور الشعب الفلسطيني من أصحاب قضية وحقّ تاريخيّ في الأرض وتقرير مصير إلى مجموعات فلسطينية تُطالب بتحسين ظروفها وشروط عيشها. وهو مل يتناسب مع مضمون قانون القومية الإسرائيلي ودلالته لا سيّما حصره حق تقرير المصير في هذه البلاد في الشعب اليهودي ليبقى حقّ الفلسطينيين في ذلك ـ مسألة فيها نظر ويُمكن تصريفها بترتيبات. ولا يُخفي الشقّ اليميني الفاشيّ في النُخب الإسرائيلية أنه لا يستبعد اعتماد حلّ الترانسفير في إطار هذه الترتيبات. وأشير إلى أن حماس تفعل ذلك في غزّة على طريقتها.
إن شعبًا بدون إرادة سياسيّة ومشروع وطني هو ليس شعبًا بالمعنى السياسي وقد يكون بالمعنى الثقافي أو اللغوي أو الاجتماعي. والنكوص من “حالة الشعب” غالبًا ما تؤدّي إلى طهور “جماعات” وطوائف وعصبيات ونزعات الخلاص الفردي. إن منظّمة التحرير التي لعبت دورًا هامًا في إعادة بناء الوجود الفلسطيني كشعب وقضيّة تلعب في الراهنِ دورًا خطيرًا من خلال “السلطة الوطنية” يتمثّل في تفكيك ما بنته بالتنازل عن كلّ إرادة سياسيّة فاعلة ومكتملة. أما التوجّه الأخير إلى الأمم المتحدة والتأكيد على البُعد الجنائيّ للاحتلال، فيأتي في إطار مناورات يُقصد بها تحسين موقع السلطة وزيادة مواردها الماليّة. علما بأن باب التدويل كان سيضغط إسرائيل العنصرية ونظامها لا سيّما الآن لو توفّرت إرادة سياسيّة حقيقية تمنح الشعب الفلسطيني عنفوانًا.
هكذا تُسهم السُلطة في إعادة الشعب الفلسطيني إلى مكوناته وتيسّر هدر حقّه التاريخيّ في أرضه وتقرير مصيره.