كارثة نزوح المخيم والجوار هائلة ودور الحكومة باهت ومتخبط

أجريت المقابلة مع: محمد الصباغ
أجرى المقابلة: عصري فياض
مرّ قرابة ثلاثة أشهر منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية المسماة بِـ ” الجدار الحديدي” ضد مخيمات شمال الضفة الفلسطينية، وخصوصاً مخيم جنين، والتي لا تزال متواصلة من دون أن يكون لها سقف زمني معلن، والتي أدت إلى غاية الآن إلى تشريد نحو 18 ألفاً من سكان المخيم والجوار، وتشتيتهم في نحو 86موقعاً في محافظة جنين وغيرها، من دون أن يُسمح لأي منهم بحمل أي من متاعه وحاجاته، وقد شكّلت هذه النكبة والنزوح أزمة هائلة تنأى عن حملها دول ومؤسسات دولية.
أجرينا اللقاء التالي مع السيد اللواء محمد الصباغ؛ رئيس اللجنة الشعبية للخدمات في مخيم، وأسير محرر أمضى 23 عاماً في الأسر، وهو من مخيم جنين، ويقود اللجنة التي تعتبر الأولى في إدارة هذا الحِمل الثقيل، كما أنه يعمل ليل نهار مع طاقم أعضاء اللجنة في تقديم ما يمكن تقديمه إلى النازحين وإغاثتهم.
اللقاء كان كالآتي:
السؤال الأول: بعد مرور ثلاثة أشهُر على نزوح سكان مخيم جنين والجوار بفعل الاعتداءات الإسرائيلية، ما الواقع الناتج عن هذه العملية بالأرقام؟
الجواب: هناك 3100 عائلة من المخيم نزحت بفعل العدوان الإسرائيلي، وهم جميع سكان المخيم، وهناك نحو 100 عائلة من أحياء جوار المخيم، ويبلغ عددهم نحو 18 ألف نازح توزعوا على نحو 86 موقعاً أكبرها في مدينة جنين إذ يوجد في المدينة وضواحيها 1300 عائلة استأجرت مساكن خاصة، ونحو 520 عائلة تسكن مساكن الطلبة حول الجامعة العربية الأميركية وتدفع اللجنة الشعبية تكاليف السكن باستثناء عمارة سكن واحدة، كما توزعت باقي الأُسر النازحة على 84 موقعاً في قرى جنين، أكبرها قرية برقين وقباطية ويعود واليامون وسيلة الحارثية، بالإضافة إلى قريتين في محافظة نابلس.
السؤال الثاني: ما الآثار المنظورة وغير المنظورة لهذا النزوح؟
الجواب: أولاً، يعتبر مخيم جنين من أكثر المناطق فقراً في الضفة الفلسطينية، وأقل الأفراد فيه دخلاً قبل النزوح الجديد، بينما فاقم النزوح من حالتهم وحوّلهم لأناس لا يملكون أي شيء؛ لا سكن، أو قدرة مالية، أو مقتنيات خاصة. إن هذا كان له الأثر العظيم في نفوسهم، وخصوصاً أن مخيم جنين وأهله كانوا وما زالوا أصحاب أنفة وكبرياء، وقدّموا التضحيات العظيمة في مسيرة النضال الفلسطيني، وأصبحوا أيقونة يُحتذى بها على طول مرحلة النضال الفلسطيني، وهذا له الأثر المضاعف، كما أن أغلبيتهم فقدوا مصدر رزقهم، سواء أكان ذلك في العمل المحلي أم داخل الخط الأخضر، وهم يعيشون حالة مركبة من الألم والحرمان، حتى أطفالهم وتلامذتهم يعانون من جديد جرّاء الغربة والتردد في الأماكن التي أجبروا على الانتقال إليها، وهذا بالإضافة إلى حالة الحرمان والمعاناة والألم.
السؤال الثالث: مخيم جنين مسؤولية الوكالة، فكيف تقيمون دور وكالة الغوث في هذه الأزمة؟
الجواب: بالنسبة إلى الوكالة، فدورها إلى الآن ضعيف بسبب الحصار الذي تتعرض له وتقليص ميزانيتها المالية، فهي تعتمد على الميزانيات من الدول المانحة، وحتى نكون منصفين، فقد قدمت الوكالة بداية الأزمة مبلغ 1640 شيكلاً لكل عائلة نازحة، كما شرعت حديثاً بإجراءات من أجل تحويل مبلغ ألف شيكل لكل عائلة نازحة لمدة ثلاثة أشهُر بعد أن رصدت مبلغ 4 مليون دولار من أجل مساعدة كل النازحين في جنين وطولكرم.
أضف إلى ذلك، فقد نجحت اللجنة الشعبية للخدمات في مخيم جنين في تعهد مؤسسة أُخرى بتقديم نصف مليون دولار إلى نازحي مخيم جنين والجوار. وتقدّم بصورة مبلغ بقيمة 700 شيكل لكل عائلة مباشرةً على مدى ثلاثة أشهُر أيضاً، وسيتم صرف كل من المبلغ (1000+700) في الفترة القادمة.
السؤال الرابع: ما دور الحكومة الفلسطينية في هذه الأزمة؟
الجواب: تعاطي الحكومة مع الأزمة كان وما زال باهتاً وضعيفاً حتى هذه اللحظة، فلم يكن لها قراءة منطقية لطبيعة الأوضاع والحاجات، لكن الخلاف معها أيضاً على آليات المعالجة واللجان، التي تم تشكيلها من أجل أن تكون أداة في إدارة الأزمة، أوقعها في تخبّط شديد.
فمنذ البداية قدمنا كلجنة تقدير حاجات وأولويات على أن تقدم الحكومة مبلغ ألف شيكل لكل عائلة نازحة، بالإضافة إلى إنشاء مراكز إيواء أو بيوت متنقلة تستوفي شروط الحياة الكريمة.
وكان الرد الحكومي مجتزأ، كما كان هناك استعداد لإنشاء مراكز إيواء من البيوت المتنقلة، لكن يحتاج هذا الأمر إلى أشهُر طويلة من دون أن يكون علاجاً للمسافة الزمنية الطويلة من أجل إنشاء الكرافانات في حياة ومعاناة النازحين، كما أسقطت الحكومة إمكان مَنح ألف شيكل لكل عائلة نازحة.
وفي موضوع البيوت المتنقلة تقول الحكومة: إنها مستعدة لتوزع 200 بيت متنقل على بعض النازحين في جنين وطولكرم بالتساوي، أي نازحين محافظة جنين 100 بيت متنقل توزع على ثلاث مناطق غرب محافظة جنين، في 26 أيار/مايو القادم، وهذا الأمر غير عملي ولا يحل المشكلة بسبب قلة عدد هذه البيوت وطريقة توزيعها الصغيرة والمقتصرة في مناطق محددة ومتباعدة.
ويضيف الصباغ قائلاً: الاحتلال يعمل وينفذ مخططاته على المكشوف، وأهدافه واضحة؛ وهو شطب قضية اللاجئين بشطب مخيماتهم وتشتيتهم ومحاولة تقويض السلطة الوطنية الفلسطينية. فلماذا لا تضع الحكومة الفلسطينية كل إمكاناتها في مواجهة هذا المخطط، وتبادر إلى إغاثة هذه الأزمة بالصورة المطلوبة على أقل تقدير وهي ترفع شعار تمكين الفلسطينيين من الثبات على أرضه ومواجهة سياسة الترحيل والتهجير؟
السؤال الخامس والأخير: كيف تتوقع حال أزمة النزوح هذه في الأسابيع والأشهُر المُقبِلة؟
الجواب: سيكون صعباً… لقد مررنا بثلاثة أشهُر كان في منتصفها شهر رمضان، وقد قدّمت الجهات والمؤسسات الكثير للنازحين لكن شهر رمضان قد مضى وهذه الجهات والمؤسسات استُنْفِذت، وإذا لم تتحرك الجهات الرسمية (الحكومة والوكالة) بالصورة المطلوبة سيكون الأمر صعباً، فنحن كلجنة ندفع منا شهرياً مبلغاً يساوي 150 ألف إلى 170 ألف شيكل بدل أجرة سكنات في موقع واحد فحسب؛ وهو سكنات الجامعة العربية الأميركية، ولا توجد لدينا الإمكانات من أجل الاستمرار في دفع هذا الاستحقاق، فالأمر صعب، هو صعب للغاية.
عن المؤلف:
عصري فياض: صحفي فلسطيني من مخيم جنين.
محمد الصباغ: رئيس اللجنة الشعبية للخدمات في مخيم جنين، وأسير محرر .
عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية