قيادة تبيع الأوهام لشعبها

تعالوا لنتذكّر!

ففي 19 مايو الماضي أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن “القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير أصبحتا في حلّ من الاتفاقات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها بما فيها الاتفاقات الأمنية… التزاما بقرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”.

اللافت أن تلك القرارات كانت اتخذت منذ خمسة أعوام، بدءا من دورة اجتماعات المجلس المركزي لعام 2015 والدورات اللاحقة، وقد أكدتها القرارات الصادرة عن الدورة 22 للمجلس الوطني الفلسطيني في رام الله 2018، لكنها ظلّت حبيسة الأدراج ولم توضع حيّز التطبيق إلا في مايو الماضي، بيد أن نقضها تم بقرار فردي، أي من دون العودة إلى الإطارين القياديين والتشريعيين. ومعلوم أن تلك الخطوة تمت في حينه، من دون استعدادات تذكر، وأتت كردة فعل على خطة ترامب، “صفقة القرن”، وخطة نتنياهو “ضم أجزاء من الضفة”.

بعد ذلك بحوالي شهرين بدا أن القيادة الفلسطينية تعد لخيارات بديلة، أو هكذا حاولت أن توحي على الأقل، من خلال توجهها نحو عقد مصالحة فلسطينية لاستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني، وهو ما تم التعبير عنه في اجتماع (فيديو كونفرانس) عقده القياديان جبريل الرجوب عن فتح، وصالح العاروري عن حماس في 2 يوليو. وقد نجم عن هذا الاجتماع، وفقا للتصريحات التي صدرت عنه، رفع منسوب الأمل بإمكان إنهاء الانقسام عند قطاع واسع من الفلسطينيين، في كافة أماكن وجودهم، للتخلص من هذا الملف العبثي والمؤلم والمضر، على الرغم من أن العديد من جولات المصالحة والاتفاقات المعقودة سابقا في مكة وصنعاء والدوحة والقاهرة وغزة، طوال 13 عاما، لم توصل إلى تلك النتيجة.

على ذلك فقد كان من البديهي أن تنقسم مشاعر الفلسطينيين حيال تلك الخطوة، بين متشكك بها وبجدية طرفيها، إن بالنظر للتجارب الفاشلة السابقة أو بحكم أنها لن تتمخّض سوى عن نوع من شراكة على تقاسم السلطة بين الحركتين أو بين سلطتي الضفة وغزة من جهة، وبين مؤيد لتلك الخطوة، متمسك بخيوط من الوهم أو ببعض من أمل في المراهنة على مسؤولية وطنية عند المعنيين من جهة ثانية.

المشكلة لم تتوقف عند ذلك الحد إذ أن تلك الخطوة تبعها بعد شهرين، أيضا، عقد اجتماع موسع في 3 سبتمبر، شارك فيه ممثلون عن 14 فصيلا، بينها حركتا فتح وحماس، في رام الله وبيروت (فيديو كونفرانس)، الأمر الذي رفع أو زاد من منسوب الرهان أو الأوهام، حول إمكان استعادة وحدة الحركة الوطنية الفلسطينية، وإمكان إجراء انتخابات فلسطينية، وتفعيل منظمة التحرير.

إلا أن اللافت أكثر بين كل تلك الخطوات، أنه وبعد عشرة أيام فقط من الاجتماع المذكور، أي في 13 سبتمبر، فوجئ الفلسطينيون ببيان ساخن موقّع باسم “القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية”، الذي تتعهد فيه بمواصلة النضال حتى دحر الاحتلال.

وفي الواقع فإن ذلك البيان حاول استعارة أجواء الانتفاضة الشعبية الأولى بتحديده برامج تنفيذية في أيام معينة، ضمنها مثلا مظاهرات ووقفات استنكار في 15/9/2020 في كل المحافظات في الوطن، إلا أنه في اليوم المذكور لم يحدث شيء يذكر، بل إن البيان رقم واحد لم يصدر بعده أي بيان.

بيد أنّ كل ذلك جرى نسيانه، أي المصالحة الوطنية والانتخابات وتفعيل منظمة التحرير ومراجعة اتفاق أوسلو وقرارات الهيئات الشرعية، بمجرد رسالة صدرت عن حسين الشيخ وزير الشؤون المدنية في السلطة، في 17 نوفمبر، يتحدث فيها عن عودة الأمور إلى مجاريها مع إسرائيل، بدعوى رسالة جوابية وصلته من منسق الأنشطة الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، كأن كل ما جرى كان مجرد تلاعب وشراء وقت وبيع أوهام.

من كل ذلك يمكن تبين مدى الخفة التي باتت تتعامل بها القيادة الفلسطينية مع شعبها، ومع قضيتها ومع حركتها الوطنية، مع الاستهتار بمشاعر الفلسطينيين وعقولهم، حدث ذلك في شأن التلاعب بقصة المصالحة، كما حصل ذلك في قصة بيان ما يسمى القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية.

على ضوء كل ذلك يحق للفلسطينيين أن يسألوا قيادتهم عن قرارات المجالس المركزية والوطنية التي لم تنفذ، وعن مصير تلك القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية، وعن الانتخابات، وعن الخيارات المعتمدة. كما يحق لهم أن يتساءلوا عما يفعله الـ12 فصيلا من الذين حضروا اجتماعات بيروت ورام الله، بعد أن “انفضّ المولد”، وما إذا كانوا أدركوا أنهم باتوا مجرد بيادق، لا تقدم ولا تؤخر في قرارات أو خيارات السلطتين في رام الله وفي غزة.

قصارى القول، ما جرى يعبّر عن تفاقم الأزمة الوطنية الفلسطينية، لاسيما الناجمة عن تآكل الأشكال السياسية القائمة وفوات دورها وأفول مكانتها، كما يعبر عن الفجوة بين مجتمعات الفلسطينيين وقياداتهم، مع تحول حركتهم الوطنية من حركة تحرر وطني إلى سلطة، على شعبها، سواء في الضفة أو غزة.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *