قوائم المستقلين


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

تفاجأ البعض بكثرة القوائم التي تخوض انتخابات المجلس التشريعي تحت مسمى “المستقلين”، والتي وصل عددها إلى حوالي 30 قائمة. البعض اعتبرها ظاهرة سلبية تدل على تفكك وتذرر الحقل السياسي الفلسطيني، فيما اعتبرها آخرون ظاهرة ايجابية وتدل على حيوية الشارع الفلسطيني، وتوقه لممارسة حقه في الترشح والانتخاب، وكمؤشر على تطلع الكثيرين للتغيير. وبصرف النظر عن تقييم هذه الظاهرة، ستسعى هذه المقالة للبحث في مسمى “المستقلين”، ومدى واقعية إطلاق هذا المسمى.

يعرّف بعض المستقلين أنفسهم على أنهم لا ينتمون لأي حزب سياسي موجود على الساحة وأنهم ينتمون لفلسطين، وهذا تعريف فيه مغالطة واضحة، واتهام لآخرين في وطنيتهم، هل يعني ذلك أن المتحزبين لا ينتمون لفلسطين؟. ربما كان مفهوماً لو أنّ هؤلاء “المستقلين” عرفوا أنفسهم كحاملين لأفكار وآراء سياسية لا تتوافق مع الأفكار السياسية الموجودة على الساحة، وقتئذ سيتفهم الجمهور الحاجة لوجودهم، أمّا أن تشكل قوائم “ظل” للأحزاب الموجودة على الساحة وتدعي الاستقلالية فهذا خداع للجمهور. من يدعي بأنّه “مستقل” عليه أن يوضح الأفكار التي يستقل بها عن الآخرين، أمّا إذا كان يحمل أفكار موجودة في الأحزاب القائمة فلماذا يدعي الاستقلالية.

قد يلجأ البعض للترشح تحت مسمى “مستقل” لأنه فعلا لا ينتمي لأي حزب (وهذا حقه)، لكنه وبمجرد تشكيل قائمة انتخابية مطلوب منه وضع برنامج انتخابي يضم رؤى اجتماعية وسياسية، تميزه عن الأحزاب القائمة، مما يقودنا للسؤال هل يوجد من بين القوائم “المستقلة” من يطرح رؤية اجتماعية أو سياسية مغايرة للموجود على الساحة، أم أنّ هذه البرامج والرؤى استنساخ للموجود بعد إعادة صياغة العبارات؟.

قد تكون حالة الاستقطاب الحادة على الساحة الفلسطينية بين الحزبين الكبيرين قد دفعت البعض للإدعاء بانّه مستقل، أو قد تكون الملاحقة الأمنية دفعت آخرين لهذا الأمر وذلك لتجنب دفع “الثمن”، على أرض الواقع، عاجلاً أم آجلاً مطلوب من هذه القائمة أن تتخذ موقف، فماذا سيكون موقفها السياسي من الاتفاقيات الموقعة، أو التنسيق الأمني، أو الهدنة، أو المقاومة، أو التفاوض. وماذا سيكون موقفها من القضايا الاجتماعية كالضمان الاجتماعي، قانون الأسرة، سيداو، ما يعرف ب”القتل على خلفية الشرف”، وغيرها من القضايا. لا يعقل أن تدعي أي قائمة انتخابية بأنها لا تحمل أي موقف وأنها “مستقلة”، فإذا كانت لن تعبر عن أي موقف لماذا أصلا تشارك في العملية الانتخابية والحياة السياسية، هل تشارك فيها لتقول بأنّها “مستقلة” ولا تتبنى أي موقف!. في الجانب الآخر وبمجرد أن تتبنى هذه القائمة موقف ما، نزعت عن نفسها صفة الاستقلالية، وأصبحت منحازة لطرف ما.

يتصور البعض أن “المستقل” لا ينحاز لأي طرف، وهذا طرح “طوباوي” خيالي لا يمت للواقع بصلة. ما المغزى من المشاركة في الحياة السياسية إذا كنت لن تنحاز لأي موقف، هل يعتبر المستقل نفسه “صليب أحمر” مثلاً، المشاركة في الحياة السياسية يعني في نهاية المطاف الانحياز لطرف ما، لفكر سياسي ما، لرؤية اجتماعية ما. أمّا إدعاء “الاستقلالية” فهو لا يغني ولا يسمن من جوع. إذا كانت القوائم المستقلة لن تمثل الموقف السياسي والاجتماعي لأي شريحة في المجتمع الفلسطيني فلماذا سينتخبها الجمهور، هل سينتخبها حتى تقول “نحن قائمة مستقلة” عند التصويت على القضايا الخلافية؟. هذا يعني أن وجودها في المجلي كعدمه.

بعض القوائم المترشحة للانتخابات ك “مستقلين” لا تكاد تسمع صوتها في ما يتعلق بالسجال الحاصل حول تأجيل الانتخابات، وهذا مؤشر لافت للانتباه. إذا كانت هذه القوائم لم تتخذ موقفاً في أمر حيوي تشكلت على أساسه، ويمسها بشكل مباشر، خشية من أن تصنف أو تدفع الثمن. فهل ستتخذ في المستقبل (بعد فوزها بالانتخابات) موقف في القضايا الأخرى الحيوية، كمحاربة منظومة الفساد مثلاً؟.

يمكننا القول وبالاستناد على تركيبة قوائم المستقلين، بأن كثير من مدعي “الاستقلالية” يتاجرون بهذا المسمى لحصد أصوات الناخبين غير الراضين عن أداء الأحزاب والفصائل الموجودة، لكنهم في حقيقة الأمر مرتبطين بأحد الأحزاب، وربما بعضهم كانوا أعضاء سابقين في أحدها، لكنهم لم يستطيعوا الترشح على أحد القوائم الحزبية، إما لأنهم لا يودون الترشح بأسمه أو لأن هذه الأحزاب لم تختارهم، أو لأن الترتيب الذي عرض عليهم في قوائم الأحزاب لا يوافق رغبتهم، أو بسبب وجود خلافات شخصية مع بعض قيادات الأحزاب الي ينتمون إليها أو الأسماء الواردة في قائمة ذلك الحزب.

خلاصة القول، من الصعب بمكان في ظل حالة الاستقطاب الحالية على الساحة الفلسطينية إدعاء الاستقلالية، أو حتى الاستمرار بحمل هذه الصفة في المنعطفات السياسية، بل أن هذه القوائم ستفقد صفة الاستقلالية بمجرد الإعلان عن برامجها وممارسة العمل السياسي. وربما كان الأجدى بهذه القوائم لكسر حالة الاستقطاب بين الحزبين الكبيرين، لو توحدت في قائمة أو اثنتين وطرح نفسها كتيار ثالث، يحمل طروحات سياسية واجتماعية متمايزة عن الحزبين الكبيرين، بدل الإدعاء بأنها قوائم “مستقلة”.

 

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

مؤلف: أشرف بدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *