قلبي على المعلّمات والمعلّمين
يومها، كنتُ المحرّر للشؤون الاقتصاديّة في “الاتحاد” وكان عليّ أن أتابع أحد نضالات العاملين الاجتماعيين. ولا يزال لديّ ذلك الانطباع أن هؤلاء المتظاهرين من أجل أجورهم وشروط عملهم موجودون في خطّ المواجهة الأوّل مع الفقر والعوز والتفكك والانهيارات الأسريّة، وأن عليهم أن يضمّدوا نزيف المجتمع كلّه بوسائل وإمكانيات محدودة ومن موقع ضعيف.
وها أنا أنظر الأن إلى المدارس والمعلّمات والمعلّمين والإدارات التي عملت وأعمل معها لأدرك أنهم “المحارب المناوب على خط المواجهة الأول” ـ فساحة المدرسة وصفوفها هي صورة مصغّرة لكل ما أصاب المجتمع وصولًا إلى أشكال الجريمة المنظمة والتفكّك الأسري والضياع.
المعلّمات والمعلمون هم الآن المكلّفون في ظروف الكورونا وما أحدثته من عطب وتعطيل في حياتنا بتضميد الجروح النازفة دون أدوات أو صلاحيات أو دون دعم اجتماعيّ. بل رأينا أن قوى اجتماعيّة صاعدة شرعية وجرائمية حوّلت المدارس وطواقمها إلى هدف للإخضاع لمصالحها ـ بيع السموم في المدرسة مثلًا، تخويل أبنائهم وبناتهم حقّ استغلال المدرسة والتلاميذ والتنمّر وما إلى ذلك.
شيء ما ينبغي أن يحصل في “مكانة المعلّم” وسط المجتمع في راهنه. شيء ما ينبغي أن يحدث في السياسات الرسميّة كي لا ننزلق إلى حالة تصير فيها المدارس زائدة ولا لزوم لها ـ هناك شهادات اطّلعت عليها تقول بأن بعض المدارس وصلت إلى نقطة اللا عودة. وكي لا تخدعنا الجوائز والشهادات والنتائج التي تسجّلها بعض المدارس نقول أنه إذا كانت الدولة غير قادرة على إسناد المدارس وطواقمها في مرحلة أزمتها ـ فعلى المجتمع أن يفعل. وهنا يأتي الدور الحاسم للجان أولياء الأمور.
عندما يُرسل المجتمع المعلّمات والمعلّمين إلى الجبهة الاجتماعيّة الأولى لتضميد الجروح النازفة، عليه أن يمدّهم بالعون والدعم وبكل الوسائل المطلوبة. فوظيفتهم مفصليّة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. أما إضافة مهمات تتصل بمواجهة الكورونا عليهم، فهذه خطوة غير مفهومة. هكذا عندما ترمي الدولة والحكومة المسؤولية عن ظهرها وتحمّلها إلى المدارس.