قطار اللجوء 2


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

أنزل اللاجئون المصدومون والمتعبون من ( الفركونات ) الجاثمة على أرض المحطة في حماه ، والتي فصلت خلسة من القطار الأم . وتم نقل جميع من كانوا على متنها إلى منطقة ( الشرفة : وهي معسكر من بقايا الانتداب الفرنسي لسورية ) ، واسكنوا في البركسات . وهناك كان لابد لايقاع الحياة أن يستمر ، لكن ضمن ظروف صعبة ، في هذا المعسكر القديم القابع على مرتفع يشرف على المدينة في غرب حماه .

توترت الأوضاع في هذا المخيم نتيجة تعرض بعض النسوة للمضايقات أثناء ذهابهم لتأمين حاجاتهم اليومية من خبز وطعام من المدينة ، والمهين في الأمر ، أن بعض رجال الشرطة أنذاك – والذين من المفترض أن يأمنوا الحماية للاجئين-قاموا بالتحرش ببعض الفتيات اللاجئات ، مما أثار سخطا واستياء في مخيم الشرفة هذا ، وقامت النسوة بمظاهرات داخل حدود هذا المخيم جوبهت برد قاس من قبل الشرطة ، وتناهى لبعض الرجال ما حدث ومنهم والدي المرحوم ( أبو حسين ) ، وأخوته – وكانو ثوارا مخضرمين اشتركوا بالثورات الفلسطينية ، وخاصة ثورة 1936 ، وقاتلوا الصهاينة في اكثر من معركة حتى المعركة الفاصلة في عام 1948 ، حيث كانوا من ثوار حيفا حيث أقام جدي وعائلته ، كونه كان يعمل في محطة قطارات حيفا ، وقد جلبوا معهم مسدساتهم الفردية من فلسطين ، كان هاجسهم هو العودة لذلك رفضوا التسجيل في قيود وكالة الغوث كلاجئين ، كانو يحملون شموخ وتحدي الثوار في ثناياهم ، كدوا وعملو لكن حلمهم بالعودة لم يفارقهم حتى مماتهم – فقامو بالتصدي لأفراد الشرطة في الشرفة ووصل الأمر لتبادل اطلاق النار . قبض على والدي وأخوته واودعو السجن وحوكموا وصدر قرار حكم بنفيهم في مدن سوريه متعددة : والدي نفي الى دمشق وسكن منطقة باب الجابية ، وعمي ( أبو فوزي ) نفي إلى مدينة حمص ، وعمي أبو جهاد نفي إلى مدينة حلب ، و نفي عمي أبو زياد إلى مدينة اللاذقية . تقطعت أوصال الأخوة وعاشوا أكثر من سنتين بعيدين عن بعضهم . تغيرت الأوضاع في سورية في فترة الخمسينيات ، وبدأ أعمامي يعودون إلى مدينة حماه الواحد تلو الآخر ، والتم شملهم من جديد ، إلا واحدا وهو عمي ابو فوزي الذي بقي في حمص ، ثم انتقل الى دمشق وسكن في منطقة جوبر فترة طويلة من الزمن ، ثم عاد أخيرا الى حمص وعاش فيها حتى وفاته رحمه الله . في اوائل الستينات حصل الأخوة على قطع اراضي وزعتها ( الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين ) في سورية في منطقة (سن الصخر) شمال غرب مدينة حماه في منطقة تطل على حوض العاصي ، في مخيم العائدين الجديد، الذي أصبح امتدادا لمخيم العائدين القديم الذي أنشىء في اواسط الخمسينات وأوى اللاجئين الذين كانو يسكنون منطقة ( قلعة حماه ) ، وبسبب فقرهم المدقع بنوا مخيمهم الناشىء القديم ببيوت طينية وأسقف مؤلفة من أعمدة خشبة ، ومغطاة بالطين المخلوط بالقش . بنى أعمامي بيوتهم من ( البلوك ) وهذا يعتبر تطورا ، وسقفت البيوت بالاسمنت المسلح ، لكن دون أعمدة ، وكانت بيوتهم متلاصقة ، فقد عانوا من التشتت ورغبو أن يكونوا أن متجاورين متحدين لا يفرقهم أحد . . رحم الله والدي وأعمامي ، فقد عانوا الأمرين في غربتهم ولجوئهم ، ورغم هذا عاشوا وماتوا شامخين ، حتى أنهم رفضوا تسجيل أنفسهم في قيود ( وكالة الغوث كلاجئين ) ، أملين بعودة قريبة إلى فلسطين ، ظلوا مؤمنين بحتمية عودتهم ويحلمون …. حتى أخر رمق في حياتهم ، كانوا يعيشون على ذكريات الماضي في فلسطين ، وكم من مره أعاد أبي سرد قصص المعارك التي شارك بها هو واخوته ، وكيف غنم عمي ( ابو زياد ) سيارة اسعاف صهيونية في شمال فلسطين قريبا من الحدود اللبنانية عام 1948 ، ودخل بها الى لبنان وأهداها الى الجيش اللبناني ….. ،
أخير أذكر في اليوم الأول لحرب 1967 -والتي استبشر الفلسطينيون في المخيم بالنصر والعودة- كيف بدأ الحاج ( أبو داوود الأسطه ) يصرخ وهو يتجول في شوارع وأزقة المخيم ويقول ( يا ناس ضبوا البئج ، والأغراض ، راجعين … راجعين لفلسطين ، وأخذ يردد بصوته المتهدج كلمته الشهيرة :” وينك يا سمك … وينك يا سمك يافا “……) .
ونحن الآن وبعد أن وصل جيل عائلتنا من اللاجئين للجيل الخامس ، وبعدما تشتتنا مرة أخرى في النكبة / التغريبة الثانية …أقول وينك يا يرموك ( محطتنا الى فلسطين ) ، وينك يا بيتي ، وأين أنت يا أحلامي التي تبددت وأصبحت سراب.
المؤلم في نكبتنا الثانية أن الكثير من فلسطينيي سورية هاجروا الى دول أوربا ، ومنهم الكثير من أفراد عائلتي وأقاربي : فهذا في ألمانيا وتلك في سويسرا ، وهؤلاء في السويد وبعضهم لاجىء في لبنان ، والبعض الآخر في الامارات …..وووو….، لقد تشتتوا مرة أخرى في منافيهم الاختيارية ، وما عدنا نلتقي في الأفراح والأتراح ، وأصبحت المباركات والتعازي ترسل عبر وسائل التواصل الألكتروني ، افتقدنا ( الجمعة ، أو اللمه ) ودفء العلاقات الاجتماعيةو العائلية والانسانية .
وبالرغم من كل هذا أقول الشعب الفلسطيني لن ييأس ، ولن ينكسر ، فهو محكوم بالأمل بأنه سيرجع يوما إلى وطنه كما الطيور المهاجرة التي تعود إلى أعشاشها …..

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

Author: يونس خطاب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *