قراءة مقارنة للاستطلاعات الاسرائيلية والفلسطينية
افاد استطلاع اجرته القناة 12 الاسرائيلية الأول من نوفمبر، بأن الراي العام الاسرائيلي منقسم مناصفةتقريبا بصدد الحرب على غزة وعلى لبنان؛ اذ مقابل 47% يؤيدون انهاء الحرب على غزة هناك 45% يدعمون مواصلة الحرب “حتى الانتصار“؛ ومقابل 48% يؤيدون انهاء الحرب على لبنان باتفاق سياسي،يعارضهم ويطالب بمواصلة الحرب 44%. للوهلة الاولى تبدو المعطيات قريبة الى التساوي مع ميل بسيطلصالح مواصلة الحرب. وبما ان عيّنة الاستطلاع تشمل ايضا مستطلعين من فلسطينيي48 ليتمثل موقفهمفي النتائج، وهو ما لا يظهر مدى التحول في المجتمع اليهودي، بل يعني ان الغالبية بين اليهود تميلبشكل واضح لصالح مواصلة الحرب على الجبهتين. كما ان الموقف بين اليهود تجاه الحلول متفاوت تماماعن الموقف الفلسطيني.
قامت صحيفة هارتس (الجمعة 1/11/2024) ومن خلال الصحفي داني بار أون بنشر تقرير موسع مبنيعلى نهج مقارن بين عدة استطلاعات رأي اسرائيلية وفلسطينية في سؤال الحرب ام وقفها وفي مسألةالحلول. يمكن اجمال الاستنتاج الذي توصل له كاتب التقرير هو بأن بارقة الامل مقلصة، وإن كان أملحاليا فهو من مواقف الفلسطينيين وليس الاسرائيليين.
إسرائيليا: اغلاق بوابة التسويات:
نظرا لسعة الاستطلاعات وطابعها المقارن نسعى الى استعراضها في هذه الورقة:
-وفقا لاستطلاع واسع للرأي نشر في ايلول/سبتمبر، فإن 68٪ من اليهود الإسرائيليين يعارضونحل الدولتين، و21٪ فقط يؤيدونه، وهو أدنى مستوى منذ عقود. علاوة على ذلك، فإن 42٪ من اليهوديؤيدون دولة تفوّق يهودية واحدة بين النهر والبحر.
-يشير التقرير الى ان مفاهيم مثل “مفاوضات السلام” و “دولتان للشعبين” باتت مفاهيم منبوذةفي اوساط الراي العام الاسرائيلي وخارجة عن اي سياق، مع التأكيد انها باتت مفاهيم بالية خارجالواقعية. بعد مسار طويل من استراتيجيات شطب قضية فلسطين مثل الاتفاقات الإبراهيمية وتقليصالصراع والسلام الاقتصادي وجميعها تتجاهل الحل العادل. بينما المنحى السائد في الراي العامالاسرائيلي هو الحرب الوجودية القائمة على العقيدة التصفوية “إما نحن او هم“.
-اسرائيليا، لم يكتفِ معدو الاستطلاع باستبيان الرأي العام بشكل عام بل أدخلوا متغيّرات مثلالجيل ومنسوب التديّن وفقا للأسئلة ذاتها. فيما تبلغ نسبة تأييد حل الدولتين بين الذين تبلغ أعمارهم 55 عاما فأكثر في إسرائيل 39٪ تتراجع هذه النسبة الى 8٪ بين الذين تتراوح أعمارهم بين 18-34 عاما. أمابين المتدينين في إسرائيل فإنها 3٪ يؤيدونها، وبين المتدينين الحريديم 1٪ فقط.
فلسطينيا: دولتان وتطرف في الضفة الغربية
اضافة الى البحوث المسحية في الجانب الاسرائيلي فقد استحضر التقرير استطلاعات الراي الفلسطينيةالتي يقوم بها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية برئاسة خليل الشقاقي، ومركز العالم العربيللبحوث والتنمية (أوراد) ومركز ابحاث التقدم الاجتماعي والسياسي (واسب).
-على الجانب الفلسطيني ووفقا لتقرير هارتس وللاستطلاع نفسه، الذي أجراه في تموز/يوليوالباحثان نمرود روسلر وألون ياكتر من جامعة تل أبيب والباحثة داليا شيندلين، بالتعاون مع خبيراستطلاعات الرأي الفلسطيني الدكتور خليل الشقاقي من المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية،فإن 40٪ من الفلسطينيين يؤيدون حل الدولتين. كانت هناك زيادة كبيرة فيها عما كانت عليه قبل الحرب،مقابل انخفاض بين الاسرائيليين. مقابل (33٪) من الفلسطينيين يؤيدون دولة فلسطينية بين النهر والبحر،و(25٪) يؤيدون دولة ديمقراطية واحدة لليهود والعرب.
- عندما طرح الشقاقي السؤال في سبتمبر دون ذكر إسرائيل، أي سأل الفلسطينيين عما إذاكانوا سيقبلون بدولة داخل حدود عام 1967، ارتفعت نسبة التأييد إلى 59٪. ووجد استطلاع آخر أجراهمعهد التقدم الاجتماعي والاقتصادي ISEP معدلات تأييد أعلى – 62٪ في الضفة الغربية و83٪ فيقطاع غزة.
-وفقا للتقرير فإن الاستطلاعات التي تجريها مراكز مسحية فلسطينية مؤخرا تشير الى انالفلسطينيين في الضفة وفي غزة يبدون استعدادا “للاكتفاء بدولة فلسطينية في حدود 1967″ فإنهاتشير الى تفاوت بين مواقف الفلسطينيين في كل من الضفة والقطاع في النظرة للمدى القريب. “ففيحين ان الحرب قد استنزفت سكان غزة ويأملون بالتهدئة ويتراجع الدعم للكفاح المسلح، ففي الضفة يرىالفلسطينيون بأن أكثر ما يمكّنهم من التخفيف عن غزة هو الصدام مع الاحتلال“. وفقا لمركز مركز التقدمالاجتماعي السياسي (واسب) الفلسطيني، ولاستطلاع اجري في غزة في ايلول/سبتمبر الاخير، وتمتوجيه السؤال الى المستطلَعين حول الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية وهل تكون تهدئة ام التصعيد،فكانت نسبة من أكدوا على التهدئة 93% . بينما المنحى في الضفة مختلف تماما فإن “الثلثين معالتصعيد” فيما يرى المعهد بأن “اسرائيل قد نجحت خلال نصف عام في دفع الضفة الغربية نحو التوجهالراديكالي” مما يوحي “بانفجار الاوضاع فيها“.
-يتطرق الاستطلاع بشكل منفرد الى فلسطينيي ال48. وبأن 72% منهم يؤيدون حل الدولتينوهي أعلى نسبة تأييد لهذا الحل بين الفلسطينيين وهي في المقابل نقيض المنحى الاسرائيلي المعارضكما لم يكن يوما للحل السلمي.
سؤال الحرب:
تساءل منظمو الاستطلاعات: “إذا كان الخيار بين حرب إقليمية، تشمل إسرائيل والسلطة الفلسطينيةولبنان واليمن وربما إيران، أو اتفاق سلام إقليمي يتضمن اتفاقا فلسطينيا إسرائيليا على أساس حلالدولتين والتطبيع بين إسرائيل والدول العربية، أيهما تفضل؟“.
- أجاب 65٪ من الفلسطينيين بأنهم يفضلون السلام الإقليمي على الحرب الإقليمية، مع عدموجود فرق كبير بين الضفة الغربية وقطاع غزة. 89٪ من فلسطينيي48 يفضلون السلام. أما بينالإسرائيليين اليهود فقد “غلب تأييد السلام الإقليمي على الحرب بالنقاط، ولكن ليس بالضربة القاضية(55٪ مقابل 45٪)”. ويعكس هذا الرقم إحصائية مماثلة تم الحصول عليها في استطلاع أجراه معهدأغام في بداية تشرين الأول/أكتوبر برئاسة عالم النفس السياسي نمرود نير: عندما طلب منهم الاختياربين دولة فلسطينية منزوعة السلاح ذات حكم معتدل وإشراف من قبل الدول العربية وبين البديل بضم غزة،اختار 55٪ من اليهود دولة فلسطينية منزوعة السلاح. 45٪ من اليهود فضلوا الضم.
قراءة:
-قد يكون المعطى الاكثر قلقا للفلسطينيين هو ان 42% من الاسرائيليين يدعمون فكرة دولةيهودية واحدة من البحر والنهر. وهو أحد المؤشرات للذهنية القائمة على التطهير العرقي والابادة ورفضاي حل مع الفلسطينيين سوى ان يكون خطة الحسم او بروحها.
-ثم ان المعطى المذكور يشير الى تصاعد جوهري في قوة وأثر التيار الصهيوني الديني الرياديراهنا في موضوع الاستيطان بما فيه في قطاع غزة. هذا التيار في تصاعد مستدام من حيث الاثر حتىوان كان حزب الصهيونية الدينية بقيادة سموتريتش في وضعية انتخابية متأرجحة. في حين ان هناكشريحة من نواب الليكود باتوا أقرب الى هذا التيار وكذلك في حزب شاس وبين الحرديم. مؤشر اخرلنفوذه هو ما ينشر مؤخرا عن عدد الجنود القتلى اللافت من المستوطنين واتباع هذا التيار مما يعكسمدى نفوذه في الجيش كما في معظم مؤسسات الدولة الرسمية وفي الوزارات.
-من المتوقع في حال فاز ترامب بالرئاسة الامريكية ان يتعزز أثر هذا التيار الساعي الى ضمالضفة الغربية واستيطان غزة، وازالة اية معوقات امام توسيع الاستيطان ولمنع اي تواصل جغرافيفلسطيني، مما يعني تقويض امكانية دولة فلسطينية. ناهيك عن ان حملة ترامب الانتخابية حصلت علىربع مليار دولار من اصحاب الاموال من أقصى اليمين اليهودي الامريكي ومن اتباع مشروع الضم وخطةالحسم، وكذا، الدعم الشعبي الشامل من اتباع الكنيسة الافنجليكانية الامريكية التي تتبنى الفكرالصهيو ديني مرجعية لها.
-في حال فازت هاريس فقد يشكل ذلك انتكاسة لهذا المشروع لكن ليس للفكرة والعقيدة التييرتكز اليها، التي تبقى تترعرع ما دام الاحتلال والمشروع الاستيطاني الاستعماري قائما في فلسطين.
-نشر موقع واينت تحليلاته بصدد الضرر الدبلوماسي الهائل اللاحق بإسرائيل عالميا من انكارقضية فلسطين والسعي لتصفيتها ، سواء المساءلة القانونية امام العدل الدولية وقادتها امام الجنائيةالدولية، ام بأنها باتت دولة موصومة ومتهمة عالميا بالتطهير العرقي واعمال الابادة بحق الفلسطينيين ثمانها باتت معزولة كما لم تكن يوما وهذا منحى متدحرج. بل ترى القراءة بأن اسرائيل باتت متخلفة تماماعن ركب الحراك الفلسطيني والعربي والدولي الدبلوماسي وفي اشارة الى التحرك السعودي –العربيالاسلامي –الدولي لاقامة دولة فلسطينية وعدم التوقف عند التصريحات، بل اتخاذ خطوات في هذاالصدد.
-كما يرى التقرير بأن اسرائيل تبتعد أكثر فأكثر عن الخطاب الدولي القانوني بينما يقتربالفلسطينيون من هذا الخطاب. كما يستخلص التقرير بأن اسرائيل “تغرق في ورطة ادارة الصراع بينماالعالم يتحدث بلغة مختلفة ويبدأ بتحريك الحلول“. ثم يشير التقرير الى الانتخابات الامريكية ويرى انإسرائيل الرسمية على قناعة بأن فوز ترامب سيساعد الحكومة على درء المبادرات التي تخشاها وسيتيحلها الضم والحيلولة دون دولة فلسطينية. من ناحية أخرى، وفقا لواينت “فمن المتوقع أن يؤدي فوز كامالاهاريس إلى زيادة الضغط على إسرائيل للتحرك نحو حل الدولتين. وبينما يعلن ترامب أيضا من كل منصةأنه سيعمل على إنهاء الحرب، فإن احتمال إجراء محاولة لفرض تسوية من جانب واحد على إسرائيل يبدوأكبر إذا فازت هاريس“.
-عادة لا تقوم الاستطلاعات الاسرائيلية في معينة مواقف فلسطينيي48 بل تدمجها في المعطياتالعامة مما يشكل خللا في توضيح الصورة الحقيقية. الا ان المعطيات اعلاه تسلط الضوء على موقففلسطينيي48 وتبين القوة التي يملكها هذا القطاع من شعب فلسطين في التأثير على السياسات.
خلاصة واستنتاجات:
** تبقى استنتاجات الاستطلاعات موضع نقاش كونها تتأثر بالوضع في لحظة ما وكذلك بصياغة اسئلةالاستبيان، رغم ان التقرير تطرق الى هذه النقطة.
**التفاوت الحاد والجوهري بين الموقف الفلسطيني وفقا للاستطلاعات وبين الاسرائيلي هو فرصةلترويجها عالميا في محاصرة السياسات الاسرائيلية والرواية الاسرائيلية القائمة على بدعة “الحربالوجودية” ومن اجل تطبيق الحل لا الحديث عنه فحسب.
**وجود نسبة 45% من الاسرائيليين تؤيد الحرب هو مؤشر للعدوانية وللذهنية السائدة، وحتى وان لميشكل غالبية لكنه يعني ان مقومات مواصلة الحرب من قبل حكومة نتنياهو تحظى بالدعم الشعبي الكافيكي تواصل نهجها وتقوم بالتصعيد.
**تراجع نسبة الشباب من جيل 18-34 المؤيدين لدولة فلسطينية الى 8% تعكس ذهنية الجيش بشرائحهالواسعة حيث تشكل هذه الاجيال اساس الاوساط التي تخدم في المستوى القتالي. كما انها قد تفسرممارسات الجيش الابادية في غزة والضفة، وتقدم مؤشرا الى طبيعة النخب الاسرائيلية القادمة.
**الرأي العام الاسرائيلي ليس العامل الحاسم في المواقف والتطورات الاقليمية والدولية، ومن حيث المبدأفهو ايضا معطى متغير وفقا للظرف. حصريا هنا تحصل حالة صدام قصوى بين الرأي العام الاسرائيليوالذهنية السائدة وبين القانون الدولي والحراك الدولي والمحاولات لفرض حل، وهو ما بدأ في طرحه وزيرخارجية الاتحاد الاوروبي جوسيب بوريل بعد السابع من اكتوبر 2023.
عن مركز تقدم للسياسات