قراءة لتقرير معهد دراسات الأمن الإسرائيلي
تقرير هام للغاية وضع امام صناع القرار لدى ساسة الكيان محللاً الأسباب التي دفعتهم لإصدار قانونين مدمرين يحظر من خلالهما عمل وأنشطة الوكالة ويمنع أجهزة حكومتهم وجيشهم(وادارته المدنية) التواصل والعمل والتنسيق مع الاونروا. التقرير مثير في توصياته الهامة وفى غياب أي تقرير مهني فلسطيني يضع خطة عمل لحماية الاونروا والعمل ضد القانونين يبقى علينا قراءة تقاريرهم وتوصياتهم والإشارة لتداعياتها لعل وعسى ان يشكل هذا صاعقا كهربائيا يوقظنا من سباتنا والإسراع في تدارك الأمور ومواجهة ما بات أمراً محتوما.
التقرير الصادر عن معهد الدراسات هذا بتاريخ ١٠ شباط ٢٠٢٥ حدد بسلاسة الأسباب (من منظورهم) والهدف وراء إقرار الكنيست خاصتهم القانونين المتعلقين بالأونروا واللذان تم اعتمادهما في ٢٨ تشرين أول٢٠٢٤ بقطع العلاقة مع الاونروا والحد من أنشطتها بسبب دورها في “تعزيز العنف والكراهية وتعميق الصراع”!
التقرير بصراحة فيه حصافة ودقة في التحليل وهذا يحسدون عليه! وقد خلص الى ان القانونين، على أهميتهما الفائقة، الا ان توقيت وسرعة اعتمادهما جاءا بدون اعتماد حكومة الكيان في ذات الوقت خطة ممنهجة ومدروسة ومباركا لها من قبل حلفاء الكيان لاستبدال الاونروا وبتسلسل لا يجبر الكيان الاضطرار لمليء الفراغ حال انهاء الوكالة والى ضرورة تثبيت آلية تنفيذية لا تشكل “ذخيرة إضافية في الحملة الدولية لتشويه سمعة” الكيان والتأثير السلبي المحتمل على الاتهامات بالإبادة الجماعية المثارة ضدهم أمام محكمة العدل الدولية والخوف من إصدار أوامر إضافية قد توثر على القرار النهائي للمحكمة الدولية بحقهم.
وقبل التطرق لتوصيات معهد الدراسات هذا، من المفيد توضيح ما الذي سيحصل للاونروا وخدماتها في فلسطين المحتلة مع دخول القرارين حيز التنفيذ نهاية الشهر الجاري.
القانون الأول الذي تم اعتماده يحظر عمل الاونروا في “المناطق السيادية” للكيان (القصد مدينة القدس)، ويحظر على مسؤولي الكيان الاتصال والتعامل مع الاونروا وموظفيها (والإضافة الهامة هنا انه يحظر عليهم التعامل مع من قد ينوب مستقبلا عن الاونروا!).
ماذا يعنى هذا على ارض الواقع؟ هذا يعنى انه لن يتم تجديد تصاريح عمل موظفي الاونروا وإمكانية دخولهم القدس؛ وسيتم إلغاء تأشيراتهم او عدم تجديدها؛ لن يسمح للوكالة تخليص بضائعا من الموانىء ودوائر الجمارك؛ سيتم سحب امتيازاتها وحصانتها الديبلوماسية وإعفائتها الضريبية؛ واخيراً حظر معاملاتها البنكية. بالتالى الاونروا في مدينة القدس لن تكون قادرة على العمل والتواجد والتحرك ومن غير الواضح فيما إذا ستتحرك بلدية الاحتلال ووزارة الإسكان وتتحفظ على مقرّ الرئاسة في الشيخ جراح مع نهاية هذا الشهر ام انها ستنتظر الوقت المناسب والمواتي سياسيا. هذا القانون سيضع مدارس وعيادات ومنشات الاونروا في مخيم شعفاط والضواحي وداخل البلدة القديمة في مهب الريح، وأمام غياب أي حراك لدينا لم يبق الا الانتظار في كيف ستتحرك دولة الكيان وكيف ستتعامل مع منشات وخدمات الاونروا في القدس مع نهاية الشهر الجاري.
القانون الثاني المعتمد برسم التنفيذ والذي يعالج المناطق خارج “المناطق السيادية” يطال دولة الكيان وجيشه وما يسمى الإدارة المدنية وسلطاته الفاعلة في الضفة الغربية وقطاع غزة. قدرة الوكالة على تقديم خدماتها والتواجد في الضفة وغزة سيكون صعبا للغاية وللأسباب أعلاه ولأنه يعتمد على التنسيق مع كيانات الاحتلال في هذا المناطق والتي أيضا ستصبح محظورة. أكثر من ٤٦ ألف طالب وطالبة في ٩٦ مدرسة في الضفة و٤٣ عيادة تديرها الوكالة في الضفة ستضرر وقد تتوقف بالكامل، بالإضافة للقضاء على قدرة الاونروا الاشراف على أنظمة الصرف الصحي وجمع القمامة ومن تقديم خدمات متنوعة وقروض ناهيك عن توقف مساعداتها المباشرة لأكثر من ١٥٠ ألف من العائلات المصنفة كحالات عسر شريد (يعيشون دون خط الفقر المدقع). هذا الواقع سيكون كارثيا بمستويات أعلى بكثير في غزة حيث سيتأثر بسببها انتظام مئات ألوف الطلبة في مئات من مدارس الوكالة وعشرات العيادات وسلسلة طويلة من خدمات الاونروا الحرجة لما يقارب من مليوني إنسان في غزة. ولا ننسى ان هذه التطورات من المتوقع ان يكون لها تداعيات مصيرية تصيب ١٣ ألف موظف يعملون لدى الاونروا في غزة و٣٧٠٠ موظف يعملون لديها في الضفة الغربية والمئات منهم الذين يعملون في مقرّ الرئاسة في الشيخ جراح. تطورات خطيرة ومظلمة للغاية.
رجوعا لتوصيات معهد الدراسات الذكية والخبيثة: المعهد ينصح الساسة بان انهاء عمل الوكالة مسار معقد وتنفيذ القرارين بدون خطة مدروسة مضر للكيان وسيجبره ان يحل مكان الأمم المتخدة في إدارة إعادة الاعمار في غزة وإدارة خدمات الاونروا في الضفة الغربية. تقرير المعهد يخطيء الجهاز الحكومي بتسرعه في تبني التشريعات وانه كان الأجدر الاستمرار في نزع شرعية الاونروا تدريجيا وإيجاد بدائل لها على نار هادئة وكسب دعم دول العالم وانتظار مجيء إدارة ترامب لتنسيق التحرك ضد الاونروا مع ما وصفه التقرير (أي إدارة ترامب) “بالقبة الحديدية السياسية” للكيان! واخيراً هذا التقرير يخلص للتالي (وانا على قناعة بان توصيهم سيتم الأخذ بها):
١- الشروع في تنفيذ القانون الأول المتعلق بتواجد وأنشطة الاونروا في القدس وإحلال بلدية القدس مكان الوكالة في توفير الخدمات المطلوبة. ٢- تأجيل تنفيذ القانون الثاني والمتعلق بحضور وخدمات ودور الاونروا في غزة والضفة الغربية. ٣- مع تأجيل القانون الثاني يسعى الكيان الى: ا- تعيين هيئة دائمة (وليس موقتة) في غزة لتقديم الخدمات بدل الأونروا وخصوصا في إدارة عملية إعادة الإعمار، ب- النظر في أمكانية وآليات تحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية ملىء الفراغ عند وقف أنشطة الاونروا في الضفة الغربية كإجراء انتقالي.
لم يعد النقاش يدور حول شرعية القانونين وانما النقاش يدور عن آليات وتوقيت تنفيذهما. والتقرير خطير لأنه ذكي ويقترح مسار للتنفيذ متدحرج لإفساح المجال لبلورة خطة بديلة لخدمات الوكالة كى لا تخلق فراغا اقتصاديا وأمنيا وفراغا يكلف الكيان أثمانا سياسية وديبلوماسية. عدو يخطط ويدرس التفاصيل ويشرعن وتتولى مؤسساته البحثية مراجعة السياسات وتقييم التشريعات والتقدم باقتراحات وتوصيات محددة، ذكية وقابلة للتنفيذ. أليس هذا هو دور مؤسسات البحث والبحاثة خدمة للأهداف العليا. أين إذن إسهامات بحاثينا ومراكزنا البحثية الفلسطينية على كثرتها؟!
محبط جدا عندما يكون الحق والتاريخ معك ولا تستطيع ترجمتهما لصالحك، ومحبط للغاية عندما يكون الكيان هو المحتل وهو الخارق للقوانين والقرارات الدولية وهو الذي يقوم بفعل الإبادة والتهجير وتدمير كل ما نصبو اليه كشعب يرنو للحرية … صعب جدًا رؤية كفته – على الأقل ضمن المرحلة المنظورة- هي الراجحة.