قراءة في كتاب: موسوعة المخيّمات الفلسطيمية
صدر حديثاً للكاتب والباحث الفلسطيني أحمد مصطفى الباش، مدير مركز أجيال للتوثيق والدراسات، الكتاب الثاني من موسوعة المخيمات الفلسطينية. في هذا الكتاب يتناول المخيمات الفلسطينية في لبنان. وكان قد صدر له سابقاً كتاباً عن المخيّمات في سوريا.
أهمية هذا الكتاب، هو توثيقه الشمولي لكل ما يلمّ بأوضاع المخيّمات في لبنان، منذ بدء عملية التهجير القسري عام 1948 من فلسطين حتى يومنا هذا. وقد اهدى هذا العمل الى شهداء المخيّمات الفلسطينية، واللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والى زوجته السيدة أمنه، اللاجئة الفلسطينية، التي نزحت الى سوريا من لبنان، بسبب اندلاع الحرب الأهلية فيه عام 1975 والتي عرّفت زوجها الباحث أحمد الباش، وهو اللاجىء في مخيّم اليرموك في سوريا على معاناة الشعب الفلسطيني في لبنان.
قدّم الكتاب الباحث محمود عبدالله كلّم الذي اعتبر إن موسوعة المخيّمات في لبنان هي إضافة نوعية لمكتبتنا الفلسطينية، خصوصاً إنها توثـّق تاريخ المخيّمات، منذ بداية نكبة فلسطين عام 1948 وحتى وقتنا الحاضر. وإن هذا المشروع يعتبر نقلة نوعية في سياق توثيق تاريخ مخيماتنا، حيث يقدّم مرجعاً موثوقاً وشبه شامل عن تاريخ كل مخيّم في لبنان، وما تعرضت له هذه المخيّمات والتجمعات الفلسطينية، من ظلم وتمييز عنصري ومؤامرات تهجير واستغلال من قبل الدولة اللبنانية، التي واصلت حكوماتها المتعاقبة، سياسة فرض القوانين العنصرية ضد الفلسطينيين، لتحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية. مما جعل فلسطينيوها جثثاً تمشي على الارض فلا تموت ولا تحيا حسب وصف كلّم. وقد وصف كلّم بشر هذه المخيمات، بالرغم من هذه المأساوية، إلّا أنه الأكثر صلابة، وعنفوان وكرامة وشهامة وبطولة على وجه الارض.
في مقدمة الكتاب، يعرض الباحث أحمد الباش للتغييرات التي حصلت في بنية الشعب الفلسطيني على الأصعدة كافة، الإجتماعية والتعليمية والسياسية والإقتصادية والجغرافية والديموغرافية، بعد توزّع اللاجئين الفلسطينيين على مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان.
وينتقل بعدها الباحث الباش لعرض نشوء المخيّمات الفلسطينية في لبنان، وتاريخ هذا النشوء مع دخول الفلسطينيين إليه. وكذلك لكيفية توزيع الفلسطينيين المسجلين في مديرية شؤون اللاجئين، والمسجلين بموجب قرارات وزراء الداخلية، إضافة الى المسجلين بموجب تدابير شؤون اللاجئين وإلى الذين دخلوا لبنان بصورة غير شرعية عام 1970.
ويتناول أيضاً أهم المؤسسات التي تعنى بشؤون اللاجئين، كالمديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين، ولجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، ووكالة الأمم المتحده لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدني.
ويبدأ بعدها الباحث أحمد الباش بعرض تاريخ مخيّمات لبنان من اللجوء مرورًا بالحروب اللبنانية وصولاً الى توزّع هذه المخيّمات على الداخل اللبناني وإلى اعتداءات الإحتلال الإسرائيلي وما خلّفه من دمار في معظم هذه المخيّمات، مرورًا أيضاً بحرب المخيّمات التي شنّتها حركة أمل.
ويعرض الباحث احمد الباش توزيع المخيّمات الفلسطينية في جنوب لبنان، ووسط لبنان, وشمال لبنان, وشرق لبنان وتاريخ إنشاء هذه المخيّمات. لينتقل بعدها إلى العرض الموسّع لكل مخيّم. فيبدأ في مخيّمات الجنوب (مخيّم الرشيديه، مخيّم البص، مخيّم برج الشمالي في صور, ومخيّم عين الحلوه، ومخيّم الميه في صيدا ) إضافة الى التجمعات الفلسطينية كالمعشوق وشبريخا والقاسمية والبرغليه وعدلون ووادي الزينه) كما ويعرض لتجمعات المهجرين، المقامة في جنوب لبنان، كدرب السيم وأوزو والبركسات والعودة وغيرها.
ثم يتحدّث الباحث الباش بشكل مفّصل وشامل عن كل مخيّم، فيبدأ بتاريخ التأسيس، والموقع والحدود والمساحة، وتسمية المخيّم، وتطوّره العمراني، والبنى التحتية، والوضع البيئي، والتطوّر السكّاني. إضافة إلى القرى التي ينحدر منها أبناء المخيّمات. كما يبيّن الواقع الإجتماعي والإقتصادي، والصحي والتعليمي. إضافة الى المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في المخيّم، وكذلك يتناول النشاط الثقافي والرياضي والسياسي. ويختم بالحديث عن معاناة أهل المخيّم اليومية وما تعرّض له المخيّم أثناء الحروب المختلفة.
طريقةهذا العرض عند الباحث الباش تشمل كذلك المخيّمات والتجمّعات الفلسطينية في العاصمة بيروت، كمخيّم برج البراجنة، ومخيّم شاتيلا، ومخيّم مار الياس، ومخيّم ضبية. كذلك مخيّمات الشمال،كمخيّم نهر البارد ومخيّم البدّاوي، إضافة الى مخيّمات شرق لبنان، كمخيّم الجليل في مدينة بعلبك.
كما يعرض الباحث المخيّمات الفلسطينية المدمّرة في لبنان كمخيّم النبطية الذي دمرته إسرائيل كلّياً ومخيّم جسر الباش ومخيّم تلّ الزعتر اللذان دمّرا أثناء الحرب اللبنانية على يد الميليشيات المسيحية.
ويختم الباحث أحمد الباش موسوعته, بالحديث عن حالة انعدام الإستقرار, والحرمان من الحقوق المدنية، وحتى الإنسانية، كحق التمّلك، وحق التنقّل، وحق العيش بكرامة لفلسطيني لبنان. ويحمّل الباحث الراعي الدولي والعربي لغضهم النظر عن أوضاع الفلسطينيين، والقيادة الفلسطينية التي أدارت ظهرها للمخيّمات، جزءًا من المسؤولية عمّا آلت إليه الأمور في هذه المخيّمات.
ويختم بالقول، ان الشعب الفلسطيني في مخيّمات لبنان وتجمّعاته, قدّم عبر مسيرته النضالية، أكثر من أي جزء من أجزاء الشعب الفلسطيني المتناثرة, شهداء وجرحى ومعوّقين ومفقودين, كل ذلك بسبب وقوعه فريسة المجازر المتكررة , والقتل الممنهج , على يد أعداء كانت تتغير وجوههم في كل مرة. وبسبب ذلك كان اللاجىء الفلسطيني في لبنان أكثر اللاجئين نزوحاً وتشريداً وتهجيراً، ولكن وبرغم ذلك يضيف الباحث فقد مدّ هؤلاء أهاليهم وذويّهم بالمال ودعموا اقتصاداتهم الصغيرة.
في نهاية الموسوعة, نجد هناك ملحقاً لبعض المؤسسات الفلسطينية الأوروبية الداعمة للمخيّمات الفلسطينية في لبنان، كمؤسسة أبناء المخيّمات في لبنان (برلين ـ المانيا)، ومؤسسة مساعدات بلاد الشمال (مالمو ـ السويد)، وحملة الوفاء الأوروبية (أمستردام ـ هولندا)، ومجموعة العمل الفلسطيني في جنوب السويد (مالمو ـ السويد)، والتجمع الفلسطيني في أوروبا، والمركز الفلسطيني في السويد.
إضافة الى مراجع البحث والمقابلات التي أجراها الباحث في عدة دول كلبنان والسويد والمانيا والنرويج وقطر وتركيا.
كما نجد أيضاً نبذة عن حياة الباحث أحمد الباش، والمراكز التي تسلّمها وإصداراته ودراساته القيّمة. إضافة الى الموسوعات التي هي قيد الطبع، كموسوعة المخيمات الفلسطينية في جزئها الثالث، المتعلق بمخيّمات الأردن، و الجزء الرابع، المتعلق بمخيّمات قطاع غزة، والجزء الخامس، المتعلق بمخيّمات الضفة الغربية، وكتاب المجيدل من قرانا المدمرة في الناصرة الذي هو قيد الإنجاز.
وقدّم الباحث عرضاً لمؤسسة أجيال باللغة العربيه والسويدية شمل تعريف بالمؤسسة وأهدافها وآليات عملها.
يشمل الكتاب على 410 صفحة من الحجم الكبير مع غلاف سميك. في صفحته الأولى صورة لعدة مخيّمات، أما الصفحة الأخيرة سطّرت كلمات للباحث الباش باللغة الإنكليزية يتحدث فيها عن شهود النكبة الثلاث، المخيّمات الفلسطينية، اللاجئ الفلسطيني، ووكالة الغوث الأونروا. كما يستعرض الكاتب الإصدارت القادمة من الموسوعة.
وأغنى الباش الكتاب بالكثير من الصور والخرائط والأحصائيات التي عززت ووثّقت معلوماته ولا بد هنا من الإشارة إلى المجهود الهائل الذي بذله المؤلف لإجراء مقابلاته في العديد من الدول.
يتميّز كتاب الباحث احمد الباش بغزارة المعلومات الموثّقة مما يجعله ضرورة ليس لكل من هو مهتم باللجوء الفلسطيني ومراحله، ولكن لكل فلسطيني سواء المقيم في لبنان ليتعرف على المخيّمات الأخرى او لفلسطينيّ الشتات. الكتاب يمكن قرأته ككل او كأجزاء منفصلة وهو جزء من موسوعة يؤسس لحالة تواصل بين أبناء شعب واحدٍ شتتّه النكبة. والكتاب في جميع الاحوال يعتبر مصدراً لا غنى عنه لكل شخص مهتم بالوضع الفلسطيني.