قانون ترحيل العائلات الفلسطينية: لماذا الى غزة

أقرّ الكنيست الاسرائيلي بغالبية اقرب الى الاجماع القومي الصهيوني، قانون ترحيل العائلات الفلسطينية من الداخل والقدس المحتلة، وفي حال قيام احد افرادها بعملية، أو عرفوا بنيّته مسبقا ولم يمنعوه من القيام بذلك او تماثلوا معه لاحقا. يمنح القانون لوزير الداخلية صلاحية الترحيل الى غزة او أي مكان اخر وفقا للظروف. كل ذلك وفقا لاعتبارات الوزير.

المعلوم ان السياسات الاسرائيلية تسعى على الدوام تكون متكاملة في إطار اهداف عليا للدولة، يبدو ان القانون يأتي في سياق غايات اسرائيل وأهدافها في غزة ومن قضية فلسطين عموما. وما تقوم به في قطاع غزة وحصريا شماله، يوفر صورة أكثر وضوحا لهذه المخططات.

– وفقا للغارديان البريطانية ونقلته هارتس 8/11، “نحو 55 ألف من سكان جباليا فرّوا جنوبا” وأضاف الجنرال ايتسيك كوهين قائد الكتيبة 162 بأنه “لا عودة لاي شخص للجزء الشمالي [من قطاع غزة]، ولن تكون” في حين ستكون المساعدات الانسانية متاحة بشكل ثابت فقط الى جنوب القطاع وليس الى شماله “لأنه لم يبق سكان في الشمال”. بينما يفيد التقرير بأن الناطق العسكري صرح بأن اقوال قائد الكتيبة “أُخرجت من سياقها وأنها لا تعكس اهداف الجيش وقيمه”!

– بناء على الناطق باسم الجيش لم يبق في جباليا حاليا سوى بضع مئات من الفلسطينيين وبأن الجيش راضٍ عن سير الامور ويعتبرونها انجازا.  كما أن هذه العمليات [الطرد] تترافق مع تدمير مكثف للمباني وللبنى التحتية في جباليا وشمالا” ثم يضيف بأن هذا الدمار الممنهج “على الاقل جزئيا هو غير مرتبط مباشرة بالعمليات الحربية وإنما تشكل تغييرا لا عودة عنه كما يبدو، مما يعني انه لن يتمكن الفلسطينيون من اصلاح الضرر، او ان ذلك سيستغرق سنوات كثيرة”.

– تدلل الخارطة التفصيلية للعمليات بأن اسرائيل تقوم فعليا بتطبيق “خطة الجنرالات” او اجزاء منها، دون ان تعلن ذلك صراحة، بحيث ان خطة الجنرالات قد لاقت ادانة دولية واسعة وتشير الى النوايا المسبقة بإبادة جماعية وتطهير عرقي. كما تتحدث خارطة العمليات الى الربع الشمالي والذي يشمل مناطق بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا، ومساحته تعادل نحو ربع المساحة من محور نيتسريم الاحتلالي وشمالا. وهذا يتماشى مع مخطط بتر غزة شمالا وجنوبا بشكل مطبق عند محور نيتسريم، ومن ثم تقسيم الشمال الى مربعات يتم تطهيرها عرقيا واحدا بعد الاخر وطرد معظم الفلسطينيين جنوبا ثم الى جنوب نيتسريم، على اساس ضم كل شمال قطاع غزة الى اسرائيل ومن دون سكانه، ومما يفتح المجال لاستيطانه وكذلك لتوسيع حدود مدينة اشدود المقامة على ارض أسدود الفلسطينية ومحيطها وتوسيع الموانئ الجنوبية على المتوسط في اطار مشاريع استراتيجية في اطار التجارة العالمية.

– يشكل تسلم يسرائيل كاتس لوزارة الأمن احتمالية كبيرة لعودة المشروع الذي دأب على تسويقه امام دول العالم، والقائم على بناء جزيرة اصطناعية من ركام الدمار الهائل الذي تسببت به اسرائيل في غزة، ونقل نحو نصف مليون من اهالي القطاع اليها لتكون بمثابة مركز صناعي وتشغيلي. يقع هذا المشروع ضمن رؤية التطهير العرقي وضم غزة.

– مع تعثر امكانيات التهجير الشامل من القطاع نحو الاراضي المصرية في سيناء، يبدو ان اسرائيل بدأت ترسو على مشروع تطهير شمال القطاع وضمه ومنع النازحين من العودة الى شمال محور نيتسريم الاحتلالي.

– يشكل قانون طرد عائلات الفلسطينيين من فلسطينيي48 والقدس المحتلة والمتهمين بارتكاب عمليات ضد اسرائيل والذي اقرّه الكنيست يوم 6/11، اساسا اضافيا للاعتقاد بأن اسرائيل قد حسمت امرها بشأن استدامة احتلال شمال غزة وضمه. فهو من القوانين النادرة التي تتحدث عن طرد العائلات او مرتكبي العمليات الى منطقة جغرافية محددة، وينص القانون على الطرد الى “اراضي قطاع غزة او وجهة أخرى وفقا للظروف”. كما يتم انفاد القانون بناء على اعتبارات الوزير المسؤول السياسية.

قراءة وخلاصة:

**ان تخصيص قطاع غزة في نص قانون ترحيل العائلات من فلسطينيي ال48 والقدس له دلالات غير اعتيادية، وخارجة عن الجانب العقابي والحالة العينية وحتى عن الموقف الحقوقي منه.  بل فيه تأكيد بأن قطاع غزة سيبقى تحت سيطرة اسرائيل وفقا لمحتوى النص. لو لم يكن الامر كذلك فإن القانون الدولي يحظر الطرد او سحب المواطنة او الاقامة من دون الاتفاق مع دولة اخرى تقبل مسبقا بتوفير الاقامة للمطرودين.

**لم تأت فكرة خطة الجنرالات من باب الاجتهاد الذهني، وانما يتضح انها كانت بمعرفة اوساط حكومية رفيعة وبتنسيق معها. اذ ان الحكومة رسميا لا تستطيع لأسباب تتعلق بالقانون الدولي الاعلان عن الابادة والتطهير العرقي والاحتلال الدائم والضم، وعليه تم تعميمها على معظم الوزراء. الخطة من حيث الجوهر لا تختلف جوهريا عن الخطط التي اتى بها وزير الحرب المُقال غالنت حتى وان اختلفت النصوص، ولا تزال تصريحاته في السابع من أكتوبر 2023 بأن “لا ماء ولا غذاء ولا كهرباء” هي السياسة الرسمية المطبقة على ارض غزة.

**تفيد الممارسات الاسرائيلية بوجود مخطط تتضح معالمه وهو ما لا ينحصر في احتلال القطاع وبتره جغرافيا وسكانيا، وإنما في اعادة هندسة فلسطين وفي هذه الجزئية القطاع ليشكل شماله منطقة خاضعة للضم، وليشكل جنوبه اقليم المنفى الفلسطيني الاكبر سواء من شمال القطاع ام من الداخل والقدس وفقا لقانون ترحيل العائلات كبداية. فعليا يكون جنوب قطاع غزة هو المنفى غير القابل للحياة اصلا.

عن مركز تقدم للسياسات

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *