ليست القصة عيد ميلاد فيروز الذي يقفز هذا الصباح من الروزنامة ، ليحوم كفراشة ملونة حول فنجان قهوتنا ، وليس لهذا اليوم الذي يلهث بآخر أيام تشرين .. الا ذريعة لنا ، لنفتش في عيد ميلاد فيروز عن ذاكرة قلوبنا ونحن نقلّب في صناديقها عن صور حبنا بالأسود والأبيض ، ونحن نحاول بوقار شيخوختنا الملونة بألوان الديجتال البحث عن فيروز فينا .. بين مريول المدرسة و ” التنورة البنية ” ، ونحن نقف أمام أبواب المدرسة بانتظار نظرة من أي ” سمرا وام عيون وساع ” تطفش من ” مطرح ضيق مابساع ” نحطّها بعيوننا التي كانت تحلق كطائرة ” الاواكس ” حوّل مدارس البنات .

نبحث في عيد ميلاد فيروز عن رسائلنا الزرقاء التي كتبتها أحلام يقظتنا المرقطة ” بحَب الشباب ” .. يوم كانت فيروز تُمسك بأصابعنا ، وتكتب معنا ” عم اكتب لك هالمكتوب تيروح ويوصلك ” .. يوم كان ” مرسال المراسيل ” أسرع من أي هوت ميل ترسله ببلاهة هواتفنا الذكية . ..

الاحتفال بفيروز .. هو الاحتفال ببقايا الانسان فينا الذي غنت له فيروز طيلة أكثر من ثمانين عاما في ثالوث الرحابنة الذي حوّل الأغنية العربية الى بستان من الدهشة .. أزاح رمل الصحراء عن لغتنا ، وزرع فيها ” حبق ومنثور ” وربط خصرها ” بالقمطة العنابية ” ، واطلقها غصنا أخضر في منقار ” طير الوروار ” وفضاء حرا مع ” حجل صنين . ” .

الاحتفال بفيروز .. هو الاحتفال بما تاه منا في هذه الأيام الصعبة .. يوم كانت فيروز توحدنا على ” دراج بعلبك ” وتجمع موالنا في ” يا مال الشام ” في معرض دمشق الدولي ، وتأخذنا الى ” شوارع القدس العتيقة ” ، وتجعل من العندليب الخبر العاجل : أننا سنعود الى حيّنا ، يوم كان حيّنا يوحد العرب حوّل عدو حقيقي واحد قبل حروب التدمير الذاتي التي تصنع من ” سوا ربينا ” .. سوا ذبحنا اهالينا !

في عيد ميلاد فيروز .. أنقّب في قلبي في هذا الصباح الاسكندنافي الذي اختصرت سيرته فيروز ” عشرين مرة اجا وراح الثلج ” .. وأنا أبحث عن وطني الضائع ضياع ” شادي ” بين ” جسر اللوزية ” وجسر العودة.. بين بيسان و ” حنا السكران ” بنبيذ الدم العربي المسفوح بين ” جبل الشيخ ” وشيوخ الفتنة التي تطنش عن قرع ” أجراس العودة ” وتقرع أجراس ” العورة ” .. وتترك فيروز في القدس ” ذاهبة لتصلي ” بإذن من افيخاي ادرعي !

الاحتفال بفيروز.. هو البكاء على “الجبل البعيد اللي خلفه حبايبنا ” يذبحون بعضهم تحت أنظار عدوهم الذي يتفرج عليهم من فوق هضبة الجولان . ..

في عيد ميلاد فيروز .. أحاول العودة الى زماننا في زمن فيروز الذي رافق حياتنا من هدهدة طفولتنا في جدائل يارا الشقر، وتركنا في ” قهوة على المفرق ” نبحث عن فيروز وهي ” سنة عن سنة ” تكبر فينا .

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *