في ذكرى يوسف سامي اليوسف
من لم يعرف هذا الرجل اللوباني الطبراني الناصري اليرموكي العظيم معرفةً حقةً متمكنةً، خسرَ من معرفته وثقافته الكثير.
الأديب الناقد واللغوي والمترجم يوسف سامي اليوسف.
هو قصيدة مُحكمةٌ قائمةُ الحَبْكِ والمعنى، فلسطيني النسغ والملامح.
هَضمَ أبو الوليد التراثَ العربي، وشرب من كل ماء تراث الجليل النقي، ومنح الثورة معناها الصوفي، حتى صَخُبَتْ أراؤه لشدَّةِ تعلقه بمسامير الحقيقة…
في مخيم اليرموك، كنا صغاراً وكان كبيراً، همه أن يوجهنا، يُصوِّب حروفنا الغضة ويحفر في تلافيف أدمغتنا عميقاً بأزاميل المعانى…
يحكي عن التراث العربي كأنه عاش زمناً مع الصوفيين في صوامع الفلسفة المطاردة، يكتب تاريخ فلسطين كتابة من عاش في رحابها الطاهر تسعة آلاف عام، ويترجم “ت.س.إليوت” كأنهما سارا معاً في “الأرض اليباب”…
له رأيٌ في كل شيئ، وللرأي فيه شيئٌ كثيرٌ جَمْ.
لا أدري، ولا أريد أن أدري، كيف خطرت ببالي زيارته لحظة احتدام باكورة القصف الأولى بقذائف الهاون على مخيم اليرموك، على الرغم من الاضطراب العام الخطِر وانتشار الوجوه الكالحة المريبة، والبنادق الدولية السرية في الشوارع…
كانت تلك آخرَ لحظة كُحْل عينٍ. آخرَ رؤية للوادي الكبير العميق صاحبِ الحلاج والنفري وابن عربي وطاغور وابن الفارض وكونفوشيوس …
أثناء وداعي على الباب في الطابق العلوي من منزله- حيث مَنعتْهُ خطوطُ الإنهاك من النزول- كان يحدثني عن تعبه ومرضه، وضع يداً على كتفي وقال خاتماً بحسرة لا تُوصف: … اليرموك راح…
عقبها بأيام قليلة راح بدوره مهجراً من جديد صوبَ نهر البارد في لبنان وتوفي هناك يوم الثاني من أيار ٢٠١٣ …
يوسف سامي اليوسف في ذكرى غيابك، لك كل ورود الذاكرة الجديرة بالانتعاش والنهوض مجدداً -كما في كل مرة- فلَسنا من نباتك ما لم نَسْتقِ من رحيق مائك…