في ذكرى وفاة محمود درويش..آن أوان قتل الشاعر بعد موته
ترددت كثيراً قبل كتابة هذا البوست، لأني أعرف أنه سيزعج كثيرين من محبي الشاعر، وأنا واحد منهم.
نعم، آن أوان قتل الشاعر الذي قاد ذائقتنا الشعرية على مدار عقود ونقلها من موقع إلى آخر. فلا يجوز، للعديد من الأسباب، أن يتثبت ذوقنا الفني عند شاعر معين، مهما علت قامته، حتى لو كان محمود درويش نفسه. أعتقد أن هذا الحب المبالغ فيه للرجل ينطلق من موقعين رديئين: الأول، موقع تقديس الرجل تقديساً مبالغاً فيه، لدرجة أن لا شاعر غيره، وأن تجربته الشعرية فوق أي نقد. مع أنه هو نفسه يقول: «لا أنظر إلى ماضيّ برضا ولو أتيح لي لحذفت نصف أعمالي.» هذا ما يقوله الشاعر عن تجربته وبنظرة نقدية، في الوقت الذي نقدس أعماله. الثاني من موقع الكسل، نعترف بدرويش شاعراً استثنائياً، وهذا حقه، لكن هذا الاعتراف ينطلق من كسلنا وفقدان فضولنا في اكتشاف أصوات جديدة، تعبر عن واقع رهيب نعيشه، لم يعد الاستشهاد بدرويش قادراً أن يكون أداة تعبيرية مناسبة في كل مقام كما يعتقد البعض.
قاد الرجل ذائقتنا الشعرية بامتياز، ونقل الشعر من موقع إلى موقع، ونقلنا معه، لكنه لم يعد موجوداً، وتوقفت هذه المسيرة مع موت الرجل، وبات علينا أن ننضج ونقود ذائقتنا بأنفسنا، وبات علينا قتل من نحب حتى ندل أنفسنا على جماليات جديدة، وحتى نستلهم درسه القديم، عندما تم تقديس شعر الأرض المحتلة، كتب الرجل مقاله الشهيرة «أنقذونا من هذا الحب القاسي» إن قتل الشاعر باتت ضرورة ثقافية، لأن الرجل شاعر وليس نبياً، وهذه الضرورة من أجل مكانة الرجل في الشعر وبين شعراء آخرين. كما أن هذا ضروري لكي نعرف أن الشعر لم ينتهِ مع هذا الرجل. علينا أن نكتشف الشعر من جديد، الشعر بعيداً عن محمود درويش.