تحل هذه الإيام الذكرى العشرون لاندلاع انتفاضة الأقصى في 28 أيلول 2000, عقب زيارة أرئيل شارون الاستفزازية لحرم المسجد الأقصى المبارك. شكلت هذه الزيارة شرارة اندلاع الانتفاضة في ربوع المدن الفلسطينية.
جاءت انتفاضة الأقصى في ظل ظروف سياسية شهدت فشل وانهيار مفاوضات الحل النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين في كامب ديفيد 2000, وازدياد رقعة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشريف, وخرج علينا الرئيس الأمريكي ليقول ما ذنب اليهود عادوا إلى أراضيهم فوجدوا شعباً أخر مكانهم.
كان هذا الفشل بداية دخول الحل السياسي في نفق مظلم, في ظل تهرب إسرائيل من استحقاقات الدولة الفلسطينية ذات السيادة ورفض عودة اللاجئين وتمسكها بالقدس عاصمة للدولة اليهودية. ورغم أن الوضع الاقتصادي للشعب الفلسطيني في تلك الفترة كان جيدا مقارنة باليوم إلا أن الانتفاضة جاءت في سياق محاولة الضغط على الاحتلال كما أرادها الرئيس الراحل ياسر عرفات, قبل أن يفقد زمام السيطرة عليها, وتعسكرت فيما بعد مما زاد الضغط على الجانب الفلسطيني وصولا إلى محاصرة الرئيس عرفات في مقر المقاطعة حتي وفاته.
اليوم بعد عشرين عاماً من انتفاضة الأقصى, نشهد حالة غير مسبوقة من الفشل السياسي, حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة لا تعترف بأدنى حقوق الشعب الفلسطيني, وإدارة أمريكية صهيوانجيلكانية يقودها ترامب, قضت على ما تبقى من حلول سياسية للقضية الفلسطينية بدءا من الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة من تل ابيب إلى القدس وإنكار حق عودة اللاجئين وحصار الاونروا وليس انتهاءٍ بعرض ما يعرف بصفقة القرن التي قتلت حل الدولتين لصالح دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة تتكون من عدة جزر منفصلة عن بعضها على ما يقرب 11% من أرض فلسطين التاريخية.
إلا أن الأوضاع في المدن الفلسطينية لا تبشر بقرب اندلاع انتفاضة ثالثة, رغم أن الظروف السياسية والاقتصادية أسوأ بعشرات المرات من ظروف اندلاع الانتفاضة الثانية. هذا يدفعنا إلى التساؤل؛ لماذا ؟؟
أولاً: المصالح المشتركة للمجتمعات الفلسطينية الثلاث في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس مختلفة وأهداف وقضايا ومشاكل هذه المجتمعات مختلفة، وتختلف في تعاطيها مع فكرة الانتفاضة وكل منها مشغول بمشاكله المختلفة من مجتمع لأخر، رغم الاتفاق أن مشاكل هذه المجتمعات يحتمل مسؤوليتها بالدرجة الأولي الاحتلال الإسرائيلي.
ثانياً: السلطة الفلسطينية تريد الحفاظ على هدوء قدر الإمكان وبنفس الوقت تطالب بانتفاضة في الضفة والقدس ولا تريدها في قطاع غزة ويمكن القول أن كل طرف يريد اشعالها في أراضي سيطرة الطرف الأخر, عدا عن أن السلطة تخشي من فقدان السيطرة على الأرض مما قد يهدد وجودها.
ثالثا: ذكرى ثلاثة حروب سابقا ما زالت عالقة في الذاكرة ويرى الفلسطينيون المصير الذي ألت إليه سورية واليمن وليبيا.
رابعاُ: فقدان الشارع الفلسطيني الثقة في مؤسساته وفصائلها وفي القيادة الفلسطينية عامة في توظيف الانتفاضة والتضحيات إلى إنجازات سياسية توازي قيمة الدم والتضحيات.
خامساً: الانقسام الفلسطيني الداخلي جعل من هذه القضايا مادة للتجاذب السياسي والإعلامي وتسجيل النقاط وادعاء شرف المقاومة على بعضنا البعض في ظل غياب أي استراتيجية وطنية للتحرر.
يمكن القول والملاحظة أن الانتفاضة الأولى 1987 والانتفاضة الثانية 2000, اندلعت في وقت كان ينعم الشعب الفلسطيني بنوع ما من الرفاهية الاقتصادية ولم تكن انتفاضته لقاء لقمة العيش أو الفقر وإنما للنيل حريته والضغط على الاحتلال للتنازل.
إذا كانت انتفاضة الأقصى خطأ استراتيجي وقع به الفلسطينيون والرئيس الراحل ياسر عرفات أنا أراها كذلك, إلا أن الخطأ والخطر الأكبر ألا تندلع انتفاضة جديدة في المدن الفلسطينية في هذه الأثناء تحاول إعادة الأمور إلى نصابها وإعادة القضية الفلسطينية وحرية الشعب الفلسطيني من جديد إلى صدارة الاهتمام ولفت الأنظار في ظل موجة التطبيع العربي وفقدان القضية الفلسطينية للزخم الإعلامي والسياسي وضياعها وسط أزمات وكوراث الإقليم.