في ذكرى استشهاد عبد العزيز ابراهيم و رحيل سلامة كيلة


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

من منا لا يعرف لوحة / ملصق ” البرتقال المر” للفنان التشكيلي الفلسطيني عبد العزيز ابراهيم الذي استشهد في الأول من تشرين الأول 1985 بفعل الغارة الإسرائيلية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة التونسية.

في بيته في مخيم اليرموك، أتيح لي، بعد استشهاده، أن أطلع على بعض لوحاته، التي  كان من بينها لوحة هي نفسها لوحة ” البرتقال المر” لكن استبدلت فيها البرتقالة برغيف خبز. وقد قيل لي حينها، على ما أذكر، أن هذه اللوحة رسمت أولاً، قبل أن  يستبدل الفنان الشهيد رغيف الخبز، بالبرتقالة وتصبح اللوحة أحد أشهر الملصقات الفلسطينية. اليوم، وإذ أتأمل هذه اللوحة، وأحاول تذكر لوحة ” الرغيف المر” إن جاز لي تسميتها، التي شاهدتها منذ حوالي ثلاثين عاماً. وإذ  أتوقف عند ما قام به النظام السوري من منع لدفن الشهيد عبد العزيز ابراهيم في سورية ( رفض النظام دفن جثامين شهداء تلك الغارة الاسرائيلية من الفلسطينيين السوريين في سورية، بسبب خلافاته حينها مع منظمة التحرير الفلسطينية، فتم دفنهم في الأردن، بعيداً عن أهلهم)، وما قام به بعد حوالي عام على استشهاد عبد العزيز،  من اعتقال لشقيقه لمدة خمس سنوات، بتهمة معارضة النظام، تحضر الأسئلة عن علاقة النظام السوري بالقضية الفلسطينية، وعن العلاقة،  بين رغيف الخبز والبرتقالة.. بين الطبقي والوطني.. بين الصراع ضد الأنظمة العربية المستبدة، والصراع ضد الدولة الصهيونية العنصرية.

لقد استغل النظام الأسدي القضية الفلسطينية من أجل  الالتفاف على مطالب السوريين في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وعمل كل ما يستطيع، كي يستأثر بالورقة الفلسطينية، من اجل استخدامها في المساومات الخارجية. أي أن علاقة النظام الأسدي بالقضية الفلسطينية هي علاقة براغماتية لا علاقة لها، لا من قريب، ولا من بعيد،  بالمبادئ والأفكار والمشاعر الوطنية والقومية.

فعند التأريخ  لعلاقة النظام بالقضية الفلسطينية، وبالصراع مع إسرائيل، تحضر جبهة الجولان النائمة لأكثر من نصف قرن، ومجازر تل الزعتر، وحرب المخيمات في لبنان، والاعتقال والتعذيب والتصفية الجسدية لآلاف الفلسطينيين، وتدمير مخيم اليرموك وتهجير سكانه.

لطاما زاود النظام  وابواقه على الفلسطينيين بالقول،  أن سورية هي البلد العربي الوحيد الذي يعامل الفلسطيني معاملة المواطن السوري. هذا صحيح، لكن ذلك لم يكن بفضل النظام الأسدي،  بل بسبب قانون رقم 260 للعام 1956 الذي نص على مساواة الفلسطيني بالسوري،  والذي أقره مجلس النواب وأصدره حينها رئيس الجمهورية شكري القوتلي. اما النظام الأسدي فقد كانت بوابته المفضلة للتعامل مع الفلسطينيين، حالهم في ذلك حال السوريين، هي البوابة الأمنية. حيث تفتقت عبقريته على تشكيل فرع أمني خاص بالفلسطينيين وقواهم السياسية، ولم يخجل من تسميته ” فرع فلسطين”. ووصل التضييق على الحراك الفلسطيني في سورية حداً، بات فيه الحصول على الموافقة الأمنية ، شرطاً للقيام باي نشاط، حتى لو كان أمسية شعرية.

في العام  2012، وعلى خلفية إصدار نشرة ” اليساري” لسان حال ” ائتلاف اليسار السوري” الذي اسس بعد اندلاع الثورة السورية،  اعتقل النظام السوري، الناشط السياسي والكاتب الفلسطيني  سلامة كيلة ( رحل في الثاني من تشرين أول 2018).  وكان قبل ذلك قد اعتقل لمدة ثماني سنوات/ 1992- 2000 / بتهمة معارضتة النظام). وبعد خروجه من السجن ونفيه خارج سورية، تحدث سلامة عن أسباب وظروف اعتقاله، وأكد أن التعذيب الأشد الذي تعرض له خلال التحقيق معه، كان بسبب الشعار ” من اجل تحرير فلسطين من الكيان الصهيوني نريد إسقاط النظام” المكتوب بخط عريض في النشرة. لم يكن استفزاز النظام من هذا الشعار، وشراسته في التعامل مع من يتبناه، مستغرباً.  فهو يدرك جيداً،  ان الربط بين تحرير فلسطين وإسقاطه، وانحياز الفلسطينيين إلى الشعب السوري، يعني بوضوح، أن حقيقة موقفه من القضية الفلسطينية، ومتاجرته بها، على مدى نصف قرن،  باتت مفضوحة.  يعرف الجميع، أصدقاء النظام وأعداءه،  والنظام نفسه، أن ما يردده حول المقاومة والممانعة وتحرير فلسطين ما هي إلا شعارات كاذبة وادعاءات موجهة للاستهلاك الداخلي والابتزاز الخارجي، إلا أن الجهر بهذه الحقيقة من داخل سورية، بلسان الفلسطينيين ، فضلاً عن السوريين، هو بالنسبة للنظام، من أكبر الكبائر.

لقد صدع النظام الاسدي رؤوسنا بحديثه عن المؤامرة الأمريكية الاسرائيلية التي تستهدف مواقفه القومية من القضية الفلسطينية. إلا أن مواجتهة لتلك المؤامرة لم تتعدى حدود الجعجعة الاعلامية والتهديدات الكلامية. وهاهو اليوم، يتلقى الضربات المهينة من إسرائيل، دون أن يحرك ساكنا، ويصمت صمت القبور( دعماُ لموقف داعميه في الامارات، واسترضاءاً لأمريكا وإسرائيل  و…) حيال ما أقدم عليه  نظامي الامارات والبحرين، من اتفاقيات  تطبيع/ تحالف مع إسرائيل، مكتفياً بالايعاز لأدواته التي باتت هامشية، كحزب البعث،  توجيه بعض الانتقادات الناعمة  لتلك الاتفاقيات؟!

بعد عقود طويلة من الصراع العربي الاسرائيلي، وبعد الانكشاف غير المسبوق، لحقيقة الأنظمة العربية، لم يعد اكتشافاً القول، أن الرهان على الأنظمة العربية هو رهان خاسر بالمطلق، وأن القضية الفلسطينية هي، أولا واخيرا ، قضية الشعب الفلسطيني والشعوب العربية،  كما أن القضايا العربية ( الديمقراطية، العدالة، …الخ) هي قضايا كل الشعوب العربية، بما في ذلك الشعب الفلسطيني.  بالتالي، لا يمكن  الانتصار على المشروع الصهيوني، واسترجاع الفلسطينيين لحقوقهم، ما لم تتحرر الشعوب العربية، من انظمتها القمعية والمستغلة. وتنعم بالديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وعليه، فقد كان، ومازال، صحيحاً، ذلك الشعار  ” من اجل تحرير فلسطين نريد إسقاط النظام “.

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

مؤلف: سامي حسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *