في تناغم وجهة المستوطنين والرأي العام الإسرائيلي
توصَف الحكومة الإسرائيلية الحالية بأنها أكثر حكومة داعمة للمستوطنين في أراضي 1967 تاريخيّاً. ولتحجيم كُنه هذا التوصيف، يجب الإشارة إلى أنه لا يعني أن سائر الحكومات الإسرائيلية لم تكن داعمة لهؤلاء، كما تثبت وقائع متراكمة، ولكن ما يستدعيه حالياً إقدام تلك الحكومة، من خلال وزير الدفاع الجديد فيها، يسرائيل كاتس، على إعلان إلغاء إجراء الاعتقال الإداري ضد المستوطنين اليهود، والذي تلجأ إليه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في حالات نادرة، من أجل التخفيف من عنف المستوطنين وجرائمهم بحقّ الفلسطينيين. والاعتقال الإداري إجراء مُتاح لتلك الأجهزة الأمنية، غير أن تطبيقه ضد المستوطنين هو في الحدّ الأدنى الأقرب إلى العدم، مثلما تدلّ إحصاءات رسمية تفيد، مثلاً، بأن عدد الأسرى الفلسطينيين الإداريين وصل إلى مستوىً غير مسبوق خلال الحرب الحالية، ويوجد حاليّاً نحو 3400 معتقل إداري فلسطيني. ويوقّع أوامر هذا الاعتقال كلٌّ من قائد المنطقة العسكرية المسؤولة عن أراضي الضفة الغربيّة ووزير الدفاع، وتُصادق عليها المحاكم العسكرية. وكانت عملية إجازة الاعتقالات الإدارية حيال المستوطنين في الظاهر ترمي إلى مواجهة واقع أن إسرائيل لا تفرض القانون على عنف المستوطنين وجرائمهم، ومن ثم، يعبّر إلغاؤها عن عدم فرض القانون بصورة رسمية، ما يدلّ على أنه لا حدود للعنف ضد الفلسطينيين، ولا إنكار لخطط ضمّ الأرض المحتلة.
وبموجب ما يرد في الوثائق الإسرائيلية الرسمية، الاعتقال الإداري أداة وقائية في أيدي الأجهزة الأمنية، ويقرّ كبار مسؤولي هذه الأجهزة بأنه، خلافاً لتطبيق هذه الأداة على أوسع نطاق ضد الفلسطينيين، بمن في ذلك داخل الخط الأخضر، عادة ما يجري استخدام مجموعة من الأساليب الهادفة إلى تجنُّب الحاجة إلى مثل هذا الاعتقال ضد المستوطنين، على غرار إجراء حوارٍ مع قيادتهم، أو اتصالات بالحاخامات وبشخصيات ذات مكانة اعتباريّة. ومن ثم، يؤدّي قرار وزير الدفاع المعلن أخيراً إلى مزيدٍ من تآكل آليات إنفاذ القانون، حتى بدرجاتها الدنيا، وإلى تصعيد عنف المستوطنين. ومن المهم إدراك أن المجموعات التي ترتكب جرائم العنف والإرهاب ضد الفلسطينيين الشرعية، في الأعوام القليلة الفائتة، تستمدّ غطاءها أكثر فأكثر من زعماء ميدانيين، وقادة دينيين، وفتاوى دينية، وكتب توراتية. ومنذ عملية طوفان الأقصى أضيفت نزعة الانتقام. ويدرك هؤلاء الإرهابيون أن كل ما يرتكبونه مُباح، بل يجري بإيحاء وتشجيع من القيادة السياسية، ومن انعدام أي دافع لدى الجيش وجهاز الشرطة الإسرائيلية في الضفة إلى مواجهة هذا العنف. ولم يعد خافياً أن هناك تعزيزاً لنزعات مليشوية داخل الجيش والشرطة، مثلما أثبتت حوادث كثيرة أخيراً، منها تعليق جنود إسرائيليين شارات مسيانية على زيهم العسكري، وإطلاق دعوات إلى الانتقام في أثناء تشييع جنود قتلى من المتديّنين، وحادثة منشأة الاعتقال “سدي تيمان” التي تبيّن أنها تُدار منطقةً مستقلة، وأن الذين يخدمون فيها يطبّقون قانونهم الخاص، سواء في أفعالهم أم في علاقتهم بالمعتقلين، وحتى حيال جهات عسكرية مسؤولة عن إنفاذ القانون. وينبغي إعادة التذكير بأنه إثر تلك الحادثة هناك من رأى أن إسرائيل تقف أمام لحظة حاسمة، وعليها أن تقرّر إذا ما كانت دولةً لا تزال تسود فيها سلطة القانون، أم باتت دولةً تسيطر عليها كتائب مسلحة من اليمين الاستيطاني تهبّ للدفاع عن الجنود، حتى عندما يُتّهمون بجرائم من دون أي مبرّر أمني.
بطبيعة الحال، وجهة المستوطنين نحو الضم وعمليات الطرد هي بوحي مقاربة حكومتهم، فضلاً عن أن استطلاعاً، قبل خمسة أعوام، شمل عينةً كبيرة جدّاً ضمّت 5600 يهودي، أفاد بأن نصف اليهود يؤيدون طرد الفلسطينيين. وبين المتدينين، حظي هذا الطرد بتأييد 71% منهم. وبما أن إسرائيل تصبح أكثر تديّناً يوماً بعد يوم، فإن وجهة الرأي العام واضحة تماماً، بل ليس مبالغة القول إنه إذا ما بدأت حكومة إسرائيل حالياً بتنفيذ حملة تهجير ضد الفلسطينيين فلن تواجه معارضةً داخليةً حازمة، ما يزيد من دور المجتمع الدولي ومسؤوليّته.