في تذكّر الأسرى الفلسطينيين
أدّى أسرى فلسطينيون في سجون الاحتلال صلاة العيد يوم الثلاثاء الماضي، وبادر بعضُهم إلى التسرية عن أنفسهم بتبادل التمنيات بأن يحلّ العيد في العام المقبل وهم بين أسرهم وذويهم. وفي الأثناء، كان 11 أسيرا يواصلون إضرابا مفتوحا عن الطعام، في سجون النقب وريمون وعوفر. وفي ظن صاحب هذه السطور أنه يلزم التذكير الدائم، ومن دون توقف، بأحوال صعبةٍ يغالبها 4850 أسيرا فلسطينيا في 23 سجنا ومعتقلا ومركز توقيف، تفيد هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين إن أكثر من خمسمائة منهم يعانون من أمراضٍ مختلفة، السرطان مثلا. وأكبر الأسرى سنا هو فؤاد الشوبكي (82 عاما). ومن بينهم 13 محتجزا منذ نحو 30 عاما متواصلة، فضلا عن 85 معتقلين منذ 25 عاما. والإضراب الذي بدأه بعضهم منذ عشرة أيام إنما للتذكير مجدّدا بسياسة الاعتقال الإداري التي تمارسها سلطات الاحتلال، والإضاءة عليها، وهي التي تطاول حاليا 450 أسيرا. والظاهر أن شيئا من حسن الظن بالعالم يفترضُه الشجعان الجسورون الصبورون، وهم يخوضون هذا الإضراب، فيفترضون أن وسائل الإعلام، وفي مقدمتها العربية، ستُعطي قضيّتهم ما تستحق من عناية، وستنشط في جهدٍ منسّقٍ ودؤوبٍ من أجل تظهير فداحة الظلم الذي يكابدونه وهم بين الأسوار، مختطَفين لدى سلطات القهر والاضطهاد والتمييز. وفي الوسع أن يقال هنا إن التقصير الفلسطيني الرسمي، والأهلي، بشأن محنة الأسرى، كبير، على أهمية المبادرات المقدّرة التي يحدُث أن تنتظم، في مسيراتٍ وتظاهراتٍ وفعالياتٍ متنوّعة، في سبيل دعمٍ إعلاميٍّ وإنسانيٍّ لقضيتهم، وهم الذين يحسُن أن يبقى في المدارك والأفهام أن قيادة منظمة التحرير ارتكبت خطيئةً جسيمةً، في مفاوضات إعلان المبادئ مع حكومة إسرائيل، قبيْل التوقيع على الاتفاق الشهير في 1993، لمّا غيبتهم في تلك المفاوضات السرّية.
تؤدّي هيئات فلسطينية، حكومية وأهلية، مختصّة في شؤون الأسرى والمحرّرين، جهدا طيبا في توثيق أحوالهم ومتابعة أوضاعهم. ولولا ما تيسّره من معلوماتٍ، محدّثة غالبا، لما أمكن لنا، نحن العاملين في الإعلام، التعرّف على تفاصيل العُسف الذي يتعرّض له هؤلاء المرابطون الصامدون، وعلى ما تقترفه منظومات القضاء الإسرائيلي من استخفافٍ بحقوقهم وآدميتهم. وهذا محمد الحلبي يُحرز وصف صاحب أطول محاكمة في التاريخ، معتقل منذ 2016، عقدت له 163 جلسة محاكمة، ولمّا تكتمل قضيته بعد (!)، فيما الرجل كان ناشطا في العمل الإنساني، ويدير مؤسسة “ووورلد فيجين”. وإذا استرسل منا من يريد الاسترسال في الوقائع الغريبة والعجيبة، بل والأسطورية والإعجازية أحيانا، تخصّ أسرى كثيرين، فسيعثُر في الأثناء على وفرةٍِ منها. وفي البال، مثلا، أن 225 طفلا يحتجزهم الاحتلال أسرى، بعضهم ولدتُهم أمهاتهم وهنّ في الأسر، وأن نائل البرغوثي يقضي حاليا عامه الواحد والأربعين من سنوات أسره التي توزعت على غير مرحلة، وأن كريم وماهر يونس معتقلان منذ يناير/ كانون الثاني 1983.
لا يغيّب الثناء المستحقّ لجهود المؤسسات والهيئات، الرسمية والأهلية، في الأراضي المحتلة، العاملة في شؤون الأسرى والمحرّرين، أن ثمّة قصورا مريعا في العمل السياسي والدبلوماسي والإعلامي، في مخاطبة العالم ومنابره من أجلهم، والذي يحدُث أن تأتي أخبار على شيء منه في موسميات عابرة، فليس من مثابرةٍ نشطةٍ في محاورة البرلمانات والهيئات الحقوقية والشبكات المدنية في الولايات المتحدة وأوروبا. وليس من جهدٍ دبلوماسيٍّ ملحوظ في هذا. وعندما تقول وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، في بيان لها، أخيرا، إن قضية الأسير الحلبي مثالٌ على “تخاذل المجتمع الدولي”، و”إن الجريمة التي يتعرّض لها الحلبي مركّبة وغير مسبوقة”، فإنما تخاطب نفسها، فلا يعني كلامٌ كهذا شيئا، على صحّة مضامينه طبعا، ما لم يتم إشهارُه في أركان الأرض، والتواصل مع الأمم المتحدة ومنظماتٍ دوليةٍ عديدة بشأنه، مع مواكبةٍ إعلاميةٍ محترفة. ولكن، أن يأمل واحدُنا أمورا كهذه من السلطة الفلسطينية (أو منظمة التحرير؟) فإنه كمن يضحك على نفسه، ويسلّي نفسه بكلام ساكت (بالتعبير السوداني) .. فأنّى لهذه السلطة (أو المنظمة؟) أن تبتكر فعلا إبداعيا خلاقا بشأن الأسرى وغيرهم، وحالُها هو الذي نعرف.. أنّى لها أن تصنع ما يلزم أن يُصنع من جهد إعلامي وسياسي ودبلوماسي بشأن 11 أسيرا يخوضون حاليا إضرابا مفتوحا عن الطعام، مثلا.
عن العربي الجديد