في تأصيل تجربة الأراضي المحتلة
في إطار مراجعة المسيرة الكفاحية الفلسطينية، وهي مراجعة ضرورية وموضوعية، للإجابة على سؤال اين وصلنا واين أخفقنا؟ نجد أن العديد من المثقفين الفلسطينيين يتجاهلون تجربة الأراضي المحتلة عام 1967 ويركزون فقط على تجربة الخارج، ويعتبرونها المدخل الوحيد لبلورة الهوية الوطنية الفلسطينية.
حتى في إطار مراجعة تجربة الكفاح المسلح فإنه يتم تجاهل مثل هذه التجارب التي تمت بالأراضي المحتلة ومنها تجربة الجبهة الوطنية في غزة عام 68 وتجربة بعض الفصائل منها الجبهة الشعبية وقوات التحرير الشعبية وحركة فتح في قطاع غزة وكذلك تجربة الجبهة الوطنية عام 74بالصفة الي جانب التجارب ذات البعد الجماهيري التي يتم تجاهلها رغم أنها كانت الأساس المحوري لبلورة الهوية الوطنية.
تقوم عملية التقييم والمراجعة بالنسبة للبعض من المثقفين على موقع القيادة الفلسطينية.
بناء على ذلك فإن التقييم والمراجعة تتبع موقع القيادة خاصة عندما كانت لفترة طويلة أي لحين توقيع اتفاق أوسلو بالخارج ولا يتم التطرق الى مسيرة الأرض المحتلة الا بفقرات بسيطة ودون تأصيل عميق.
وبرأي فإن تجربة الأراضي المحتلة كانت من أغنى تجارب الحركة الوطنية ولعله من المناسب تذكير القارئ بأن أول مظاهرة طالبت بالاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا لشعبنا بالضفة الغربية عام 73 وذلك قبل إقرار ذلك عربيا و دوليا وذلك من خلال اتحاد النقابات العمالية ومن المفيد التذكير ايضا بتجربة الجبهة الوطنية عام 74ذات الطبيعة المقاومة والمسلحة وكذلك تجربة لجنة التوجيه الوطني التي افشلت مشروع الإدارة المدنية وروابط القري وقدرة الحركة الوطنية بإفشال مشاريع تصفية القضية وأبرزها مشروع ألون وكذلك قدرتها علي إنجاح قادة لبلديات الضفة الغربية بانتخابات عام 76.
لقد لعبت الحركات الجماهيرية مثل الأطر الطلابية والنسوية والثقافية والتطوعية دورا بارزا باستنهاض الهوية الوطنية الأمر الذي مهد الطريق لتنفيذ الانتفاضة الشعبية الكبرى والتي شكلت حدثا نوعيا في مسيرة الكفاح الوطني.
لقد أثبتت التجربة وفي إطار الجدل السياسي بين أوساط الحركة الوطنية بأن الساحة المركزية للصراع هي ساحة الأراضي المحتلة وبأن الشكل الأنسب للنضال هي الانتفاضة الشعبية على الخلاف من تنظيرات بعض القوى السياسية وخاصة ذات العلاقة بقيادة المنظمة بأن الساحة المركزية هي الخارج (الاردن او لبنان) وبأن حرب التحرير الشعبية هي الوسيلة الفضلى عبر الكفاح المسلح.
الجميع يقر بشرعية كافة أشكال النضال، ولكن وفي إطار المراجعة التقييمية للمسيرة، من الهام الإشارة بأنه لم تجر دراسة جيدة للواقع الجيوسياسي للثورة الفلسطينية المعاصرة وجرى سحب نماذج فيتنام وكوبا والجزائر وغيرها بصورة ميكانيكية على حالة الثورة الفلسطينية المعاصرة لدرجة أنه تم تسمية عمان بهانوي العرب تشبها بالثورة الفيتنامية دون مراعاة خصوصية الواقع الفلسطيني.
لا شك بأن الثورة الفلسطينية المعاصرة لعبت دورا هاما لبلورة الهوية الوطنية و حمايتها من التبديد والتقويض وبان الكفاح المسلح كان المحرك لذلك. ولكن الصحيح كذلك يقتضي الإدراك بأن رؤية التيار التقدمي الفلسطيني الذي كان يؤمن بالعمل الجماهيري بصورة رئيسية كان الاقرب للصحة من غيره.
لعب الكفاح المسلح بصورة أكيدة دورا هاما في بداية انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة وهذا ساهم بتثبيت الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا لشعبنا على المستوي العربي والدولي ولكن تجربة الأرض المحتلة سواء ذات الطابع العنيف او السلمي عملت على تعزيز هذا التمثيل وافشلت المشاريع البديلة كما يجب أن لا ننسي بأن الاتحاد السوفيتي في إطار توازن القوى الدولي في ذلك الوقت ساهم بتعزيز ذلك خاصة على الساحة الدولية.
وإذا أردنا قياس الامور بالنتائج فإن التجربة التي قربت شعبنا من شعار الحرية والاستقلال كانت تجربة الانتفاضة الشعبية الكبرى التي هي نتاج لكفاح الاراضي المحتلة على ما عداها من تجارب اخرى رغم التقدير العالي لها.
ومع الأسف تم إجهاض مسار الانتفاضة عبر توقيع اتفاق أوسلو الذي حول حركة التحرر الى سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال علما بأن قيادة المنظمة حاولت تحويل المرحلة الانتقالية الى دولة ذات سيادة ولكن نجحت دولة الاحتلال باستدامتها في إطار رؤيتها الرامية لتحقيق الحكم الذاتي على حساب حق شعبنا في تقرير المصير.
ولعلة من المناسب الإشارة بأن تجربة منظمات المجتمع المدني بعد تأسيس السلطة هي الأبرز في مقاومة الاحتلال وذلك عبر لجان مقاومة الجدار والاستيطان وعبر حركة المقاطعة الى جانب الدور الحقوقي بفضح جرائم الاحتلال وإثارة ملفات وقضايا في محكمة الجنايات الدولية.
أن الموضوعية والإنصاف تقتضي الإضاءة على تجربة الأراضي المحتلة في سياق المراجعة الموضوعية للمسيرة الوطنية الفلسطينية وعدم تجاهلها بأى حال من الأحوال.