
في اليوم الأخير للمونديال 2018، شاهد صلاح حموري (المقدسي ابن الفلسطيني والفرنسية) المباراة النهائية، حين انتصرت فرنسا على كرواتيا، وهو في قسم الخيام في سجن النقب بـ”بث مسروق” من فضائية في الجنوب، وصنع علماً فرنسياً بالمنشفة يليق بـ”التراس” أسرى. وفي اليوم الأول للإبعاد عن فلسطين 2022، شاهد صلاح حموري المباراة النهائية، التي هزمت فيها فرنسا أمام الأرجنتين، وهو في بيت من حجر في باريس ببث مسروق من دماء مستعمرات في الجنوب، وربما صنع علماً بالممسحة كما يليق بمواطن فرنسي حلت عليه لعنة المواطنة… وبين “ظلمات” النقب و”أنوار” باريس ثارات تطول.

في اليوم الأخير للمونديال، تحقق كابوس صلاح حموري الذي رافقه منذ اعتقاله الأول، قبل أكثر من عشرين عاماً، وهو الإفراج عنه مقابل إبعاده عن فلسطين (بعد القدس)، فرفض المساومة رغم ترحيل زوجته الفرنسية وأبنائه عنه وعن فلسطين. أما الفرنسيون، فلم يدرجوا قضيته على أجندتهم، حتى بعد نشوء قضية “موازية” حين أسر “الإسرائيلي”-الفرنسي جلعاد شاليط. حمل الفرنسيون قضية شاليط، لكنهم لم يتدخلوا في قضية حموري إلا بإدراج اسمه فكَّة تفاوضية على الدفعة الثانية من صفقة وفاء الأحرار.
في اليوم الأخير للمونديال، وقبل بدء اليوم الأول للإبعاد، أعطى صلاح حموري محاضرته اليومية في اللغة الفرنسية-الفلسطينية لطلاب السجن في “هداريم”، وأعطى مروان البرغوثي محاضرته اليومية في العلاقات الفلسطينية-الفرنسية، وذكَّر الإثنان مربِّي الأمل، من الأخوة والرفاق، أن فرنسا الحرية وباريس الأنوار زودت “إسرائيل” بـ”خيار يومها الماطر”، مفاعلها النووي، ولا تزال منذئذ تصفق لحل الدولتين العاثر، وصعود الشعب الفلسطيني الصديق إلى الجلجلة.
في اليوم الأخير للمونديال، نفي صلاح حموري عن القدس، مبتعداً عن أحمد سعدات في سجنه المعروف وعن أنيس دولة في قبره المجهول، إلى باريس مقترباً من جورج عبد الله في سجنه ومن سليمان الحلبي وجمجمته المنيعة في “متحف الإنسان”… أما عوفاديا يوسيف، المستوطن القادم من العراق وحاخام الكراهية الذي وصف ربعه من عرب الحواضر والبوادي بالثعالب والديدان، فقد مات حتف أنفه، دون اغتيال أو اعتزال، والآن تنبو الحوادث عنه وهو ملموم في “مقبرة اللمم-السنهدرية” في القدس، تحيط به قبور كبار قادة دولة المستوطنين وعظام شعرائها، بلا علم يؤنسه، ولا منشفة، ولا ممسحة.
في اليوم الأخير للمونديال، هزمت فرنسا،
في اليوم الأخير للمونديال، شكت “إسرائيل” الجديدة من الكراهية القديمة،
في اليوم الأخير للمونديال، أطلق المثقفون نكاتهم حول العروبة وموقفهم من الصحراء،
في اليوم الأخير للمونديال، واصلت السلطة صمتها، ورفرف علم أثقلته الألوان على المقاطعة.