في الذل والمهانة
بغض النظر عن أسلوب استفزاز الغرب للعواطف والغضب الناتج عنه فإن رد الفعل عليه هو رد فعل شخصي فردي وليس جماعياً منظماً. معظم الردود هي اجتهادات شخصية في معظمها عاطفية مشحونة بالجهل وليس بالمعرفة وبالحمق وليس بالحكمة. هناك شعور بالمهانة وهو صحيح مع أننا متعودين عليها: المهانة والذل من القوي الغريب، الذل والمهانة من السلطة الديكتاتورية الحاكمة (أنظمة الذلقراطية) وذل الذات عن طريق عدم الفعل. وكلما حدث هذا الاستفزاز فإن أي صوت عاقل ينسحب أمام اتهامات وشتائم الجاهل والأحمق. وهكذا يتم القضاء على الفكر والاجتهاد خارج الصندوق ويتم تفكيك الجماعة المُهانة وتشظيها وتعزيز ضعفها وتُغلق كل الطرق أمام أي تطور نحو الأفضل. المشاهد من فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر هي مشاهد ذل ومهانة قاسية جداً، خاصة على سكان هذه الدول، وأما بقية العرب والمسلمين فلا يعنيهم الأمر، لا بل يساهمون في إنتاج الذل والمهانة وتعزيز قسوتهما وسطوتهما ومرارتهما بهرولتهم إلى مصادر والذل المهانة والتذلل لها لحماية أنظمتهم التي هي نفسهم. ولكن يبقى أقسى ما يشعر به العربي من ذل ومهانة هو ما تمارسه نحوه أنظمة الذلقراطية “المدنية العلمانية”. الأنظمة التي تطرده وتجبره على الهجرة إلى مصادر الذل والمهانة ليعيش على فتاتها وينعم ببعض إنسانيته.
نجد على الرفوف مئات وربما آلاف من الدراسات الجادة التي تصف هذا الحال من وجهات نظر مختلفة والتركيز على متغيرات مختلفة، ويصعب حصرها هنا، وقد بقيت مجرد كتابات لا تهم حكام الذلقراطية ولا تهم الجاهل ولا الأحمق. من أعمق هذه الكتابات في وصف الذل و المهانة اللذان يعاني منهما العربي والمسلم، ويساهم نفسه في انتاجهما عندما يتصدى لكل صوت لا يطابق مستوى فهمه واستيعابه، هي كتابات المفكر المغربي المهدي المنجرة الذي حلل طبقات الذل والمهانة ومصادرها الخارجية والداخلية في أيامنا.