في الذكرى الـ49 ليوم الأرض الخالد: التهجير القسري في النقب

يحيي شعبنا هذا العام الذكرى التاسعة والأربعين ليوم الأرض الخالد، الذي شكّل محطة نضالية مفصلية في تاريخنا. في 30 آذار 1976، أعلن الأهالي في الداخل إضرابًا شاملًا رفضًا لمصادرة آلاف الدونمات من أراضينا، واندلعت مظاهرات واسعة في البلدات العربية، أسفرت عن استشهاد ستة شبان وإصابة واعتقال المئات برصاص قوات الشرطة الإسرائيلية. واليوم، بعد مرور ما يقارب نصف قرن، لا يزال شعبنا الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر يواجه خطر التهجير القسري.
في غزة، وبعد قرابة شهرين من وقف إطلاق النار، استأنفت إسرائيل حرب الإبادة، وفي الضفة الغربية، شُرّد خلال الأشهر الماضية أكثر من 40,000 فلسطيني من منازلهم، خصوصًا في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس. وفي الوقت ذاته، تسرّع إسرائيل من إجراءات الضم غير القانوني في القدس والضفة الغربية، في انتهاك صارخ للرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في تموز 2024.
أما في النقب، فتواجه 13 قرية بدوية غير معترف بها خطر الإخلاء القسري، بينما تمضي السلطات الإسرائيلية قدمًا في مخططات تهدف إلى اقتلاع وتدمير مجتمعات بأكملها ظلت قائمة منذ أجيال. ويمثل مركز عدالة مئات السكان في ثلاث قرى بدوية غير معترف بها، ممن رفعت السلطات الإسرائيلية ضدهم دعاوى إخلاء، كما يتخذ إجراءات قانونية لمواجهة خطط التهجير القسري الجماعي في النقب.
على مدار السنوات الست الماضية، وتحديدًا منذ أيار 2019، يمثل مركز عدالة 500 من سكان قرية راس جرابة غير المعترف بها في النقب، في مواجهة دعاوى الإخلاء القسري التي رفعتها دولة إسرائيل. تقع القرية على أرض مملوكة لأفراد من قبيلة الهواشلة، الذين سكنوا فيها لأجيال. تهدف عمليات الإخلاء إلى توسيع مدينة ديمونا، المقامة أصلًا على أراضي قبيلة الهواشلة، من خلال بناء حيّ جديد على أنقاض القرية.
حتى الآن، أعطت المحاكم الإسرائيلية الضوء الأخضر لمخطط تهجير القرية قسرًا، رغم اعترافها بوجود تصريح ضمني لسكن الأهالي في القرية، وأنهم عاشوا فيها منذ عام 1978 على الأقل. أمرت المحكمة المركزية أهالي القرية بهدم منازلهم وإخلاء قريتهم بحلول 31 كانون الأول 2024. في أعقاب ذلك، قدم عدالة طلب استئناف للمحكمة العليا، مما أدى إلى وقف مؤقت لعملية الإخلاء. نظرت المحكمة العليا في القضية في 27 آذار 2025، ولا يزال القرار النهائي معلقًا.
في إجراء موازٍ، يتحدى أهالي القرية – ممثلين بمركز عدالة وجمعية بمكوم – مخطط توسيع ديمونا على أراضي راس جرابة. في تشرين الأول 2024، رفضت لجنة التخطيط اللوائية في الجنوب الاعتراض الذي قدمته المؤسستان ضد الخطة، متجاهلة البدائل التفصيلية التي اقترحها السكان، والتي كانت ستسمح لهم بالبقاء على أرض أجدادهم دون إعاقة خطط التطوير. على إثر ذلك، قدّم عدالة وبمكوم التماسًا للمحكمة الإدارية في بئر السبع، وحُدّد موعد جلسة الاستماع في 25 أيار 2025.
أكد مركز عدالة أن “رفض السلطات حتى النظر في إمكانية إنشاء حي بدوي داخل بلدة يهودية يُعزز ممارسات إسرائيل الراسخة في الفصل العنصري. فمن خلال حصر التجمعات البدوية في بلدات محددة، وتقييد وصولها إلى الأراضي في المناطق الحضرية ذات الأغلبية اليهودية مثل ديمونا، تُكرّس الدولة نظام الفصل المكاني غير القانوني القائم على الإثنية.”
إضافةً إلى ذلك، يمثل عدالة أهالي قريتين أخريين في النقب يواجهون تهديدات مماثلة بالإخلاء القسري. ففي قرية البقيعة، يمثل عدالة، بالتعاون مع مؤسسة الميزان لحقوق الإنسان، جميع سكان القرية، والبالغ عددهم 550 شخصًا، في المحكمة المركزية في بئر السبع ضد دعاوى إخلاء رفعتها سلطة أراضي إسرائيل، في محاولة لتصوريهم على أنهم “غزاة” أو “متسللون”. والجدير بالذكر أن الدولة لم تُقدّم أي مبرر لتهجيرهم.
كما يمثل عدالة جميع سكان قرية أم بدون، الذين يبلغ عددهم 550 نسمة، في قضية إخلاء أخرى، حيث من المقرر عقد أول جلسة استماع تمهيدية في محكمة الصلح في بئر السبع بتاريخ 4 تشرين الثاني 2025.
تجدر الإشارة إلى أن سكان القريتين هُجّروا في الأصل على يد الحكومة العسكرية الإسرائيلية في الخمسينيات من القرن الماضي، ليجدوا أنفسهم اليوم مجددًا في مواجهة خطر التهجير القسري.
على مدى عقود، استخدمت إسرائيل سياسات الإخلاء القسري، وهدم المنازل، ومشاريع البنية التحتية الكبرى مثل الطرق والسكك الحديدية، إضافة إلى إقامة المحميات الطبيعية وفرض النمو الحضري القسري، كأدوات لاقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم. في ظل الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية، أصبحت ما يُسمى بـ”خطط التسوية” لإجلاء و”إعادة توطين” السكان البدو في النقب محورًا رئيسيًا لهذه السياسات.
مخيمات السكن المؤقت
في 25 أيلول 2024، قدم عدالة وبمكوم اعتراضًا إلى لجنة التخطيط اللوائية في الجنوب ضد مخطط لإنشاء مخيمات مؤقتة تهدف إلى إيواء السكان الذين يتم ترحيلهم قسرًا من القرى البدوية غير المعترف بها في النقب. تُجيز الخطة بناء هذه المخيمات داخل البلدات البدوية المعترف بها لمدة تصل إلى خمس سنوات. ولتسريع عمليات التهجير، تقترح الخطة إنشاء مجمعات سكنية مؤقتة تفتقر إلى البنية التحتية المناسبة، ما يفرض على السكان ظروفًا معيشية غير ملائمة. عقدت اللجنة جلسة استماع بشأن الاعتراض في 2 كانون الأول 2024، إلا أنها رفضت الاعتراض لاحقًا في 17 آذار 2025. وعليه، سيواصل عدالة وبمكوم التحدي القانوني عبر استئناف القرار.
مشروع قانون ريفمان”: تهديد للسكان البدو
في 26 تشرين الثاني 2024، أصدر مركز عدالة، بالتعاون مع ثماني منظمات غير حكومية، ورقة موقف تحذر من المخاطر الجسيمة التي يُشكلها “مشروع قانون ريفمان”. يستهدف هذا الإطار التشريعي، وهو مبادرة صاغها معهد ريفمان، السكان البدو في النقب عبر فرض آليات إنفاذ صارمة تُنظم العديد من جوانب حياتهم. يُهدد هذا المشروع السكان البدو بالتهجير الجماعي على نطاق واسع، بما في ذلك في القرى والبلدات المُعترف بها، مع تقديم تعويضات ضئيلة أو معدومة لدعم إعادة توطينهم. كما يُوسّع هذا القانون سيطرة الدولة على أراضي البدو، ويفرض لوائح أشد صرامة، ويُعطي الأولوية لإقامة مستوطنات يهودية، ويزيد من خطر هدم القرى غير المعترف بها. تُفاقم هذه الإجراءات من تآكل حقوق البدو في الأراضي، وظروف معيشتهم، وتراثهم الثقافي، مما يجعل هذه المبادرة تهديدًا خطيرًا لمجتمعاتهم.
في 27 شباط 2025، شارك عدالة في مؤتمر نُظم في النقب تحت عنوان “ملح الأرض، صوت النقب”، بمبادرة من المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها وبالشراكة مع منظمات حقوقية محلية، منها عدالة، وممثلين عن اللجان الشعبية المحلية. شهد المؤتمر مشاركة من المدير العام لعدالة، الدكتور حسن جبارين، ومنسقة وحدة الأرض والتخطيط، المحامية ميسانة موراني، ومنسق مكتب عدالة في النقب، المحامي مروان أبو فريح.
عن مركز عدالة