في استعادة أن إسرائيل ليست دولة عظمى

تسبّب الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي، يوم 24 يوليو/ تموز الجاري، من بين أمور أخرى، في لجوء حتى محلّلين وكُتّاب رأي إسرائيليين إلى استعادة حقيقة أثبتتها أخيراً المستجدات المرتبطة بالحرب على غزّة، مؤدّاها أن إسرائيل ليست دولة عظمى، وأنها من أجل أن تستمرّ في البقاء بحاجة ليس فقط إلى دعم من الخارج بالمال والسلاح، وإنما أيضاً إلى غطاء سياسي دولي من “الدول الصديقة”. وقبل هذه الاستعادة، أشير في أكثر من مقام، بما في ذلك ضمن تقارير معاهد أبحاث إسرائيلية متخصّصة، إلى ما وُصف بأنه انقلاب التعاطف والتأييد الدوليين اللذين حظيت بهما إسرائيل إثر أحداث 7 أكتوبر (2023)، رُبّما على نحوٍ غير مسبوق خلال العقود الأخيرة، وتبدّلهما بانتقاداتٍ حادّة آخذة بالتصاعد، وباتهاماتٍ رسميةٍ تنظر فيها المحكمتان الدوليتان في لاهاي، وبعقوبات تتسع يوماً بعد يوم ضد مستوطنين وعصابات استيطانية في الضفة الغربية، وبتراجع واضح في علاقات إسرائيل الخارجية ومكانتها الدولية، سواء مع دول متعدّدة على صعيد العلاقات الثنائية أو على صعيد علاقاتها مع الهيئات الدولية ومكانتها فيها.

ومثلما كتب المؤرّخ الإسرائيلي ألكسندر ياكوبسون، في وقت تحارب فيه إسرائيل في الجبهتين الجنوبية (مع قطاع غزّة) والشمالية (مع لبنان)، وتفرض مليشيا شيعية من اليمن (الحوثيون) حصاراً بحرياً عليها وتهاجم مدينة تل أبيب في وضح النهار. وفي وقتٍ تضطلع فيه الولايات المتحدة ليس فقط بتزويد إسرائيل بالأسلحة والذخيرة الضرورية للقتال، إنما أيضاً تبادر، ولأول مرة في تاريخ الصراع، إلى تفعيل قوة عسكرية مباشرة من أجل حماية سماء دولة الاحتلال من الصواريخ، حان الوقت كي نأخذ في الاعتبار خطورة التهديدات الماثلة أمام الدولة، وفي الوقت عينه حاجتها إلى دعم خارجي عسكري وسياسي مستمرّ.

وقبل ياكوبسون، أكد مؤرّخ إسرائيلي آخر، هو موكي تسور، بعد أقل من أسبوعين ونصف الأسبوع من وقوع عملية طوفان الأقصى، أن إسرائيل ليست دولة عظمى بالمطلق، بل دولة واقعة تحت وطأة أزمة شديدة نتيجة سياستها الخارجية عموماً، وتحديداً حيال القضية الفلسطينية، والتي يقف في صلبها التمسك بالاحتلال ومعارضة قيام دولة فلسطينية. وانضافت إليها سياسة داخلية تبنّتها الحكومة اليمينية الكاملة برئاسة بنيامين نتنياهو التي تشكلّت في نهاية عام 2022، مستندةً إلى نتائج انتخابات 1 نوفمبر (2022)، وشفّت عن صورة واضحة بشأن صيرورة المجتمع الإسرائيلي، حيث عبّر السكان بوضوح عن دعمهم الشديد اليمين المتطرّف الذي يمثّله نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. وهو التيار اليميني الذي يقول، بصوت واضح، إن لإسرائيل الحق في ممارسة سيادتها على أراضي الضفة الغربية، وتعزيز تفوّقها اليهودي ما بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن. ومكّنت هذه النتائج نتنياهو من إقامة حكومة يمينية بالكامل، يتولّى فيها سموتريتش وبن غفير مناصب رفيعة المستوى، مثل الدفاع والأمن الداخلي، بتسويغ أن هذا “هو ما أمر به الناخب”.

وقبل هذه الحكومة، كانت هناك حكومة وصفت نفسها “حكومة تغيير” ولكن ليس السياسة الخارجية، بالرغم من تحذير أصوات من أن السيطرة العسكرية على الفلسطينيين في أراضي 1967 والجرح المتقيّح للاحتلال سوف ينفجران كما حدث في السابع من أكتوبر وليست هذه سوى البداية.

ومع مواصلة حرب الإبادة على غزّة، لا تلوح في الأفق الإسرائيلي أي مؤشّرات إلى بديل عن هذه السياسة، فضلاً عن استمرار تماسك ائتلاف الحكومة اليمينية الكاملة، والتي شخّص العالم الكيميائي الإسرائيلي أهارون تشاحنوفر، الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2004، الوقود الذي يشغّل محرّكاتها بأن نصفه مؤلفٌ من الفساد والمصالح السياسية والشخصية لرئيسها نتنياهو، فيما نصفه الآخر مؤلفٌ من الأفكار المسيانية والقومية المتطرّفة التي يتبنّاها تيّار الصهيونية الدينية، ويحاول فرضها بالقوة على كل مفاصل الدولة، وكذلك على الجيش والشرطة وسائر الأذرع الأمنيّة.

عن العربي الجديد

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *