في ختام حملة انتخابية عاصفة ، تم إعلان دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية . ترامب هزم كامالا هاريس بعد سباق متقارب ومثير للجدل، وبعد أن خاض حملة انتخابات ركزت على التهديد الذي تشكله الهجرة إلى الولايات المتحدة وسوقت مواقفه بشأن الاقتصاد والجريمة والسياسة الخارجية . هذه الحملة الانتخابية ساعدت ترامب في الفوز بأغلبية جمهورية في مجلس الشيوخ أيضا، ومن غير الواضح بعد ما إذا كان مجلس النواب سيظل في أيدي الجمهوريين أم سينتقل إلى الديمقراطيين.
خلال الفترة الانتقالية التي تمتد لشهرين، حتى تنصيب ترامب في 20 يناير/كانون الثاني 2025، من المعقول أن يسعى الرئيس جو بايدن، إلى تكريس إرثه بعد أن اصبح متحررا من القيود السياسية والقيود الانتخابية . وبشأن الشرق الأوسط فإن الاتجاه سيكون السعي إلى إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس وحزب الله، وقبل كل شيء
دفع صفقة لإطلاق سراح المخطوفين الذين تحتجزهم حماس . ومن المحتمل أن لا يتردد بايدن في ممارسة ضغوط شديدة على إسرائيل لهذا الغرض . لذلك من الضروري أن تحافظ إسرائيل على علاقات وثيقة مع الإدارة المنتهية ولايتها، وفي الوقت نفسه أن تعمل على صياغة استراتيجية وعلى تطوير العلاقات مع الفرق الانتقالية لإدارة ترامب القادمة، في محاولة للتوصل إلى تفاهمات بشأن أجندة استراتيجية مشتركة . ومن المهم جداً أن تتوصل إسرائيل أيضاً إلى تفاهمات مبكرة مع الإدارة الجديدة، على افتراض أنها ستبدأ بالفعل في الأيام الأولى بعد التنصيب، في تحديد سلم أولويات سياسية .

الآثار المترتبة على السياسة الداخلية

يرمز فوز ترامب مع نائبه السيناتور جي دي فانس من ولاية أوهايو إلى الصعود الرسمي للجناح الشعبوي والقومي في المعسكر الجمهوري . وإن خطاب ترامب الصاخب في الحملة الانتخابية والذي غالبًا ما كان ملوثًا بالصور العنصرية والعنيفة ، إلى جانب أسلوبه الاستبدادي، وتسامحه مع معاداة السامية في أجزاء من القاعدة الجمهورية، ووعده باستخدام سلطات منصبه ضد أعدائه السياسيين، أثار اتهامات ضده حول نية للحكم بطريقة استبدادية. وفي الوقت نفسه، هناك الآن مخاوف في الولايات المتحدة من احتمال حدوث اضطرابات مدنية وتحديات قانونية ودستورية غير مسبوقة .
سوف يواجه ترامب معارضة قوية من صفوف الديمقراطيين، لكنه يدخل الى ولايته الثانية بفهم أعمق للهيئة الحكومية الأميركية ، وبشبكة موالية جدا من المستشارين ، وبسيطرة أكبر على حزبه. لقد تعهد بتزويد البيروقراطية الفيدرالية بالموالين له، وهو بالتالي في وضع مريح يسمح له بتعزيز أجندته وتشريعاته داخل الكونجرس والحكم بضوابط وتوازنات أقل مما كان عليه في الماضي . وفي الشؤون الداخلية، سوف تكون الأولوية القصوى بالنسبة له الوفاء بالوعد الرئيسي الذي بذله أثناء حملته الانتخابية ــ وقف الملايين من المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم، وفرض قيود صارمة على الهجرة القانونية إلى الولايات المتحدة.

السياسة الخارجية: أسئلة أكثر من الأجوبة

سوف تتشكل السياسة الخارجية الأميركية وفقاً لرؤية ترامب للأعمال التجارية ونفوره من الأدوات التقليدية التي ارتكز عليها النفوذ الأميركي في مختلف أنحاء العالم . يتضمن نهج “أمريكا أولا” الذي يروج له الالتزام بتوسيع الحواجز أمام التجارة الحرة وتنفيذ التعريفات الحمائية، بحجة أن التجارة الحرة أضرت بالعمال الأمريكيين والطبقة العاملة. ويجسد هذا التوجه أيضاً الشك في السياسة الأميركية الحالية، التي تتميز بالمشاركة العالمية الواسعة والدفاع عن النظام العالمي الليبرالي . ويشير أنصار ترامب إلى أن «أميركا أولا لا تعني أميركا وحدها»، وأن ولايته السابقة تضمنت تعزيز العلاقات الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ، ومع إسرائيل ومع دول الخليج، ومع ذلك، وإلى جانب توضيح مركبات وجهة النظر العالمية الحالية التي يمقتها، فإن ترامب لا يحمل وجهة نظر خاصة به ، ولكن كما يدعي مستشاره السابق للأمن القومي روبرت أوبراين، فإنه ينساق مع “غرائزه ومبادئه الأمريكية” التقليدية، أكثر من المفاهيم العالمية التي سادت في العقود الاخيرة .” وفي هذا السياق، لنتذكر أنه قبل الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة تعتبر نفسها لسنوات عديدة غير مسؤولة عما حدث في “العالم القديم”.

فيما يتعلق بالعلاقة بين ترامب والنظام الدولي، فإن الافتقار إلى مبدأ منظم يترك أسئلة أكثر من الإجوبة وخاصة في الوقت الحاضر، الذي شهد احتدامًا متزايدًا للمنافسة بين القوى العظمى منذ الحرب الباردة. إن المساحة التي من المرجح أن يتم فيها التعبير عن غرائز ترامب الشعبوية بالطريقة الأكثر وضوحا هي مجموعة تحالفات الولايات المتحدة، في الأساس حيال حلفائها الأوروبيين وأيضا فيما يتعلق بمسألة الحرب في أوكرانيا. ولطالما اشتكى ترامب من “أنصار ترامب”، الذين “لا يدفعون حصتهم”، وطالب بشدة جميع دول الناتو الوفاء بالتزاماتها بتخصيص 2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق الامني . وقد هدد في مناسبات عديدة بانسحاب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي، وفي ولايته الثانية قد يكون هناك المزيد من التوترات في صفوف الحلف، وفيما يتعلق بأوكرانيا، تحدث ترامب عن رغبته في إنهاء الحرب وانتقد الدعم المالي الأمريكي الكبير لاوكرانيا وفي ضوء ذلك، من المرجح أن يقوم ترامب بتخفيض المساعدات الأمريكية لأوكرانيا بشكل كبير وأن يدعم تنازلات اوكرانية كبيرة لروسيا .
ومن المتوقع أن تكون الصين مصدر قلق رئيسي لترامب، إذا تم اختيار المدافعين عن إعطاء الأولوية لآسيا في أجندة واشنطن لمناصب رئيسية في الإدارة، ومن المرجح أن يتم دفع الشرق الأوسط جانبا لصالح شرق آسيا و المواجهة المباشرة مع الصين . وبدلا من ذلك فإنه في حال كان الأشخاص الرئيسيون الذين سيتم اختيارهم هم الذين ينظرون إلى التحدي الذي تفرضه الصين على أنه مرتبط بصراعات أخرى، بما في ذلك قضية إيران، فقد تظل إسرائيل والشرق الأوسط ساحة مركزية للاهتمام وللموارد الأمريكية .

إسرائيل والشرق الأوسط
تميزت ولاية ترامب الأولى بعلاقات دعم وثيقة مع إسرائيل ودول الخليج، خاصة السعودية والإمارات العربية المتحدة، والتي بلغت ذروتها في “اتفاقيات إبراهام”. وشمل دعم ترامب لإسرائيل الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان ، ونقل سفارة الولايات المتحدة الامريكية إلى القدس ، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران ، واغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني. وعلى خلفية ذلك ، ليس من المستغرب أن استطلاعات الرأي العام التي أجريت قبل الانتخابات أظهرت أن معظم الإسرائيليين يفضلون ترامب عن هاريس.
وفيما يتعلق بمسألة إيران، يمكن توقع أن يقوم ترامب بتصعيد اللهجة التي يستخدمها البيت الأبيض حيال طهران واستئناف فرض عقوبات اقتصادية كبيرة عليها . بالإضافة إلى ذلك، قد يأمر باستخدام القوة العسكرية الأمريكية ضد شخصيات ايرانية متورطة في النشاط الإرهابي في أنحاء الشرق الأوسط . ومع ذلك، فإن إدارة ترامب ستمتنع قدر الإمكان عن القيام بعمل عسكري ضد قدرات إيران النووية ، خوفا من تورط امريكي في حرب جديدة في الشرق الأوسط . وحتى التأييد الذي أعرب عنه ترامب في الأشهر الأخيرة للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد طهران لن يظل بالضرورة ساري المفعول خلال فترة ولايته، إذا كانت عواقبها ستشكل تحديًا للولايات المتحدة تحت قيادته . ونظراً للاحتمالات الضئيلة لعمل أميركي مباشر ضد البرنامج النووي الإيراني، ستبقى بين يدي ترامب وسيلتين للتعامل مع طموحات طهران النووية : العقوبات الاقتصادية، التي تعتبر فعاليتها محدودة لوقف البرنامج النووي، والمفاوضات من أجل اتفاق نووي جديد . لذلك، على الرغم من ازدرائه الصريح للنظام الإيراني، قد يفتح ترامب مفاوضات مع طهران – وهي الخطوة التي أيدها علناً في الماضي، مدعياً ​​أنه يستطيع التوصل إلى اتفاق مع إيران أفضل من ذلك الإتفاق الذي وصلت إليه إدارة أوباما في عام 2015 . مزاج ترامب وعلاقته مع القيادة الإسرائيلية الحالية قد يصعب على الحكومة الإسرائيلية أن تعارض علناً مثل هذه المفاوضات، على غرار محاولة منع الاتفاق النووي الأصلي مع إيران .

بالنسبة لإسرائيل، فإن تقلبات ترامب السياسية تثير العديد من الأسئلة في هذا السياق . والمسألة الأكثر إلحاحاً هي الحرب المستمرة ضد محور المقاومة الذي تقوده إيران في لبنان وقطاع غزة. وقد أعرب ترامب عن رغبته في رؤية نهاية للحرب في غزة حتى قبل توليه منصبه في 20 يناير/كانون الثاني، لكنه لم يوضح علناً ماهي رؤيته لليوم التالي في غزة . وإذا كانت تجربة الماضي تدلنا على نواياه ، فمن المشكوك فيه جداً أن يحد ترامب من المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل من أجل كبحها . ومع ذلك، بالنظر إلى دعمه لـ “اتفاقيات إبراهام” و”صفقة القرن” مع الفلسطينيين (2020)، هناك احتمال واضح أن تدعم حكومته صيغة ما لحل الدولتين (ربما تتضمن السماح بضم منطقة واسعة من الضفة الغربية إلى إسرائيل) . وإذا وافقت المملكة العربية السعودية على ذلك، فمن الممكن أن يتشكل دعم سعودي وعربي واسع النطاق لاعادة إعمار قطاع غزة ، وللإصلاحات في السلطة الفلسطينية، ولتوقيع اتفاقيات دفاع بين الولايات المتحدة وإسرائيل وبين السعودية . من ناحية أخرى، وعلى ضوء حقيقة أن عددًا من مستشاري ترامب وكذلك الحكومة الإسرائيلية نفسها صرحوا بأنهم لا يرون الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كمفتاح للاستقرار الإقليمي، فقد يتجنب ترامب الربط بين التقدم نحو حل الدولتين وبين توسيع “اتفاقيات إبراهام” . من ناحية أخرى، وبالنظر إلى إصرار السعودية على أن خطوات التطبيع مع إسرائيل يجب أن تتضمن التزاماً إسرائيلياً بأفق سياسي للفلسطينيين، فإن رفض إسرائيل القيام بذلك قد يحبط الجهود الرامية إلى دفع اتفاق إقليمي جديد . وأخيرا، من المرجح أن يضغط ترامب على الحلفاء لمنع إجراء تحقيقات دولية ضد القادة والجنود الإسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي .
هناك موضوعان رئيسيان على الأجندة الإسرائيلية سيتأثران بدخول ترامب إلى البيت الأبيض : الموقف الأمريكي من السياسة الداخلية لإسرائيل والمساعدات الأمريكية لإسرائيل . فيما يتعلق بالسياسة الإسرائيلية، فإن معارضة إدارة بايدن للانقلاب القضائي كانت من بين العوامل التي كبحت جهود الحكومة الإسرائيلية لإعادة تشكيل النظام الدستوري في البلاد. ومن ناحية أخرى، من المتوقع أن يكون ترامب أكثر تعاطفا من الرئيس بايدن مع التحركات التي تريد الحكومة الإسرائيلية دفعها في هذا الشأن . وفيما يتعلق بالمساعدات الأميركية، فإن دعم ترامب المبدئي لإسرائيل لا يعني بالضرورة الدعم المادي . فترامب معارض ثابت للمساعدات الخارجية الأمريكية في جميع أنحاء العالم، ويفضل تحويل المنح إلى قروض ، يتعين على الدول سدادها . وتنفيذ هذا الموقف فيما يتعلق بإسرائيل قد يشكل تحدياً كبيراً في وقت يتجه فيه الإنفاق الامني الإسرائيلي إلى الارتفاع ومعه الاعتماد القوي على المساعدات العسكرية الأمريكية ، وخاصة في إطار التحضير للمفاوضات بشأن مذكرة المساعدات الأمنية المقبلة خلال فترة ترامب .

توصيات السياسة

يجب على إسرائيل أن تسعى جاهدة للحفاظ على دعم الحزبين في الكونغرس الامريكي . وستكون أصوات الديمقراطيين في الكونغرس حاسمة بالنسبة للموافقة على مذكرة المساعدة الأمنية المقبلة والموافقة على المكون الأميركي في أي اتفاق إسرائيلي سعودي . لذلك، يجب على إسرائيل أن تبذل جهودها في الحفاظ على العلاقات مع المشرعين الديمقراطيين وتقليص الفجوات القائمة بينها وبينهم .
وفي حالة تحويل التركيز الأمريكي إلى الصين ومنطقة المحيطين الهادئ والهندي، يجب على إسرائيل أن تثبت قيمتها كحليف وشريك استراتيجي للولايات المتحدة ، حتى مع قيام واشنطن بنقل المزيد من الموارد شرقًا. وإن تعزيز المشاركة الإقليمية لإسرائيل سيكون عنصراً مهما في إثبات قيمة إسرائيل في المواجهة الأمريكية مع الصين وحلفائها في الشرق الأوسط.
وفي حالة مفاوضات لصياغة اتفاق نووي جديد بين إيران والقوى العظمى، ينبغي على اسرائيل أن تعمل مع الإدارة الأميركية، وليس معارضتها علناً، من أجل تحسين فرص أن يساهم الاتفاق الذي يتم التوصل إليه في تحقيق مصالحها .

من منشورات معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *