“من العرمة لصبيح … عن هالجبل ما بنطيح”. هتافاتٌ صدحت على أراضي بلدة بيتا وقمة جبل صبيح في الجنوب الشرقي من محافظة نابلس شمال الضفة الغربية، في مشهد نضالي لشباب يرفعون السبابة ويقسمون بحماية فلسطين بأموالهم وأولادهم وأنفسهم. هي صرخات غضب أطلقها أهالي بلدة بيتا، بعد تجدد المواجهات مع المستوطنين لمنعهم إقامة بؤرة استيطانية جديدة على الجبل وطردهم كما طُردوا من جبل العرمة عام 1988.
في 2 مايو/ آيار 2021 أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن تعزيز قواته الموجودة في نابلس على خلفية عملية إطلاق النار على مستوطنين على حاجز زعترة، فلم تمض بضع ساعات حتى بدأ المستوطنون بإقامة بؤرتهم الاستيطانية “افيتار” على قمة جبل صبيح (جفعات افيتار: اسم مستوطن قتل عند حاجز زعترة عام 2013). بدأوا بـ 4 بيوت متنقلة (كرفانات) ليصلوا خلال أقل من شهر إلى 40 كرفان تصلها خدمات الكهرباء والماء، وتعبيد الطرق داخل البؤرة في غضون أيام قليلة. ومنذ ذلك الوقت بدأ سكان بلدة بيتا معركة مواجهة، ضد المستوطنين تجاه أراضيهم وممتلكاتهم، يواجهون إقامة بؤرة استعمارية على قمة جبل صبيح، الذي يتوسط بلدة بيتا، ويشمل 20% من أراضي البلدة، التي تبلغ مساحتها 18 ألف دونم.
منذ حوالي الشهرين بدأت المواجهات التي استمرت بشكل يومي. عشرات الجرحى وأربعة قتلى سقطوا لغاية الآن، وما زال أهالي البلدة يخوضون معركتهم، يهتفون، يبتكرون أساليب جديدة للمقاومة، ويرابطون على قمة الجبل، ويطلقون المفرقعات النارية.
حُراس الجبل
رصاصتان كانت كفيلتان بإنهاء حياة عيسى. لبى نداء الاستغاثة عندما نادى الشبان المتظاهرين على الجبل عبر سماعات المساجد، طالبين من أي شخص لديه سيارة المجيء إلى الجبل للمساعدة بنقل الجرحى، فكانت هذه اللحظات التي لفظ فيها أنفاسه الأخيرة موصيًا الشباب بالبقاء في الجبل والدفاع عنه.
بنبرات ملؤها الحزن والقهر يقول سلطان برهم شقيق عيسى: ” ثاني أيام عيد الفطر كان يوم الجمعة، وهو اليوم الذي تشتد فيه المواجهات على قمة جبل صبيح، توجهنّا أنا وأخوتي الثمانية وكان معنّا عيسى، انتهى شهر رمضان ونحن نلملم جراح عائلة فقدت أم منذ أشهر قليلة. عيسى قام بتجميع شقيقاتي كان الدعم والسند لهن”. في اللحظات التي كان بها عيسى يوصل شقيقاته بدأ الشبان بطلب الاستغاثة، فتركهن وتوجه لقمة الجبل ليساعد الجرحى. يكمل برهم:” أخوي ذهب لمساعدة الجرحى، عاد لنّا محملاً على الأكتاف ودمائه تسيل، أتساءل ما هي جريمة عيسى ليطلق النار عليه بدم بارد، ما ذنب أطفاله وعائلته ليحرموا منه، ما ذنب شباب بيتا جميعًا؟.هذه جريمة حرب بكل ما تحمله الكلمة من معنى”.
فقدت بيتا في المواجهات الأخيرة ثلاثة من شبانها بعد فقدانها عيسى وهم زكريا حمايل، محمد حمايل، أحمد بني شمة. يُشير برهم أن بيتا على مدار الأربعين يوم الماضية لم تهدأ لا ليلاً ولا نهاراً. فمن الساعة الخامسة عصراً تبدأ عمليات الإرباك الليلي على محيط الجبل، بالإضافة إلى حرق الإطارات وانتشار الدخان الكثيف، هذا الأمر دفع المستوطنين للهروب والخروج من المستوطنة عند بدء المواجهات.
مئات الإصابات والجرحى
أكثر من 100 إصابة في الرصاص الحي حتى هذه اللحظة في بيتا، وعشرات الإصابة بالاختناق، ومئات الإصابات بالرصاص المطاطي. يروي محمد حمايل أحد المصابين الذي أصيب في نفس يوم مقتل عيسى أن جنود الاحتلال كانوا متواجدين بالناحية الغربية المقابلة لجبل صبيح، وبدأوا بإطلاق الرصاص، فمن استطاع من الشباب رؤية الرصاص يهرب منه، بالإضافة إلى قنابل الغاز والرصاص المطاطي الذي ملئ المكان، يقول محمد:” بدأ الشباب برمي الحجارة، كنت أقف بعيداً عنهم بحوالي 100 متر، وكان الجيش مقسوما على ثلاثة مجموعات، على اليمين وعلى قمة الجبل ومجموعة تصعد باتجاه الشبان من أسفل الجبل، وكل شخص يروه مقبل عليهم يضربوه بالنار، وهذا ما حصل معي ومع الشهيد محمد أيضًا”.
أكثر من 100 إصابة في الرصاص الحي حتى هذه اللحظة في بيتا، وعشرات الإصابة بالاختناق، ومئات الإصابات بالرصاص المطاطي.
مديرة مستوصف زكاة بيتا، إيمان حسين أكدت أن المستوصف يستقبل من 30 إلى 40 إصابة بالرصاص المطاط في يوم الجمعة فقط وتقول:” في الجمعة الأخيرة كان هناك إصابات كثيرة بالاختناق قوية وصعبة جداً بسبب استخدام المسيل للدموع ورذاذ الفلفل، هناك حالات اضطررنا لوضعها على جهاز التنفس والأكسجين، حالات كسور، لنا شهرين على هذا المعدل يعني تجاوزنا 600 حالة منذ بداية المواجهات، 400 حالة تقريبا وحدها في بيتا، وهذه الإصابات معظمها من فئة الشباب”.
رئيس شعبة الهلال الأحمر في بيتا حمد جاغوب، يؤكد أن إصابات الرصاص الحي في المواجهات الأخيرة زادت عن 100 إصابة، لذلك نُصب مستشفى ميداني في ساحة المواجهات لتقديم الإسعافات الأولية للمصابين، وتوفير أربع سيارات إسعاف لتكون متواجدة في المنطقة، ويقول:” في يوم الجمعة الماضي استهدف الجيش الشبان على مداخل بلدة بيتا، وحدث حريق وانقطعت الكهرباء أثناء المواجهات، واحتجنّا للكحول لتقليل أضرار الاختناق من الغاز، حاول الجيش منعنّا من الوصول لكن استطعنّا أن نطفئ الحريق، وللأسف كل هذا أدى إلى أضرار مادية كبيرة أهمها حرق شجر الزيتون الرومي الذي يزيد عمره عن 300 عام. يريدون هذه المنطقة جرداء ملساء ليستهدفوا كل شخص يصعد على بؤرة الاستيطان الموجودة على رأس الجبل”.
أراض مهددة بالمصادرة
جبل صبيح منطقة حيوية ذات موقع استراتيجي مشجرة بالزيتون والعنب واللوز، وتعتبر مصدر رزق أساسي لأصحابها. وتطل على ثلاثة قرى هي: بيتا وقبلان ويتما، يحاذيها الشارع الرئيسي الذي يصل إلى منطقة الأغوار(أريحا) عن طريق زعترة؛ وإقامة هذه البؤرة الاستيطانية ستُلحق ضررًا كبيرًا بالأراضي الزراعية في المنطقة.
والمحاضر في جامعة النجاح، حذيفة بدير، من بلدة بيتا وأحد أصحاب الأراضي المهددة بالمصادرة على قمة جبل صبيح، يقول:” أرضي موجودة في جبل صبيح ومستهدفة من قبل المستوطنين وقريبة جدا من النقطة الاستيطانية المقامة حاليًا، والأرض التي بجانبها أقيم عليها كرفان، والدور يليها وهي مهددة بالمصادرة والاستيلاء عليها، ونحن ممنوعون من الوصول إليها لغاية هذه اللحظة” مؤكداً أنها إرث من آبائه وأجداده ويمتلك القيد بملكيتها وأنه بدأ في إجراءاته القانونية من لحظة التهديد، وهي أرض فلسطينية خالصة ووجود المستوطنين عليها أمر غير شرعي نهائيا.
يؤكد رئيس جمعية بيتا الخيرية، عبد الرحمن حمايل، أن ما يحصل في بيتا وجبل الصبيح هو هجمة شرسة مدعومة بأعلى المستويات للتضييق على سكان بيتا وقبلان ويتما، وتواصل استيطاني يمتد حتى منطقة الأغوار ويقول:” هذه البؤرة الاستيطانية لا مجال لتعداد أضرارها، هؤلاء المستوطنون سيقطعون التواصل بين تجمعاتنّا ويقيدون حركتنّا”.
خطورة إقامة البؤرة الاستيطانية على قمة جبل صبيح تكمن في أنها مطلة على سلسلة جبال وبالتالي ستشكل تهديداً للقرى المحيطة بها، ويقول بدير:”الموقع استراتيجي مطل على سلسلة جبال ومجموعة قرى وبلدات فلسطينية ومطل على الشارع الالتفافي الذي يربط شمال الضفة الغربية بمنطقة الأغوار ومدينة أريحا. هناك تهديد للقرى المحيطة من سلسلة بؤر بتقنية مستهدفة للجبال من المستوطنين، الذين استطاعوا في ست أيام بناء وحدة سكنية في جبل صبيح”.
من ناحية أخرى أكد رئيس بلدية تسيير أعمال بيتا، يوسف عصيدة، أن حوالي 20 دونما من مساحة الجبل تقام عليها البؤرة الاستيطانية حاليًا، وحجم الموقع يبلغ 400 دونما و 20 % من مساحة الجبل لقرية بيتا والمساحة الأكبر هي لقريتي قبلان ويتما، وأضاف: ” المستوطنون منعوا المواطنين من دخول أراضيهم، فحاول شباب الجبل مصادرة معداتهم ومنعهم من تنفيذ قرارهم، كما أن هناك حوالي 8 عائلات من قرية بيتا فقط مهددة بمصادرة أراضيها في حال تم الاستمرارية في إنشاء هذه البؤرة الاستيطانية”.
الاستيطان في أرقام بالضفة الغربية
سهلت السلطات الإسرائيلية نقل المزيد من المواطنين الإسرائيليين إلى المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وحسب منظمة “السلام الآن” الإسرائيلية فإن المسؤولين الإسرائيليين في 2020 اعتمدوا بناء 12,159 وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية، حتى 15 أكتوبر/تشرين الأول، بينما وافق المجلس الأعلى للتخطيط التابع للإدارة المدنية الإسرائيلية على 4948 وحدة استيطانية في بضع عشرات من المخططات في 14 و 15 أكتوبر / تشرين الأول 2020.
من بين هذه الوحدات البالغ عددها 4948 ، تمت الموافقة على إيداع 2،260 ( المرحلة الرئيسية الأولى) وتمت الموافقة على 2،688 للتحقق ( المرحلة الرئيسية الثانية والأخيرة غالبًا ). ستكون جميع الوحدات تقريبًا (باستثناء 2) في مناطق قد تضطر إسرائيل إلى إخلاؤها في سياق حل الدولتين. وهذه الموافقات تجعل عام 2020 أعلى عام على الإطلاق من حيث الوحدات في الخطط الاستيطانية التي تم الترويج لها منذ أن بدأت حركة السلام الآن في التسجيل في عام 2012.
أيضًا حسب بيانات منظمة “السلام الآن” يعيش 411600 مستوطن في الضفة الغربية. وهناك 132 مستوطنة 135 بؤرة استيطانية عشوائية وهي مستوطنات أقيمت منذ التسعينيات دون موافقة الحكومة وتعتبر غير قانونية وفقًا للقانون الإسرائيلي. أما في القدس الشرقية المحتلة، وهي جزء من الضفة الغربية هناك 220 ألف مستوطن في 13 مستوطنة كبيرة. بينما كشفت صحيفة يسرائيل هيوم في بداية العام 2021 أن عدد المستوطنين بلغ 476،033 ألف مستوطن في 2020 ويعيشون في 150 مستوطنة بالضفة الغربية. ونمت المستوطنات بمتوسط 14،783 نسمة سنويًا ، 50٪ بسبب الولادة الطبيعية و 50٪ بسبب الهجرة الإيجابية. إذا انضم 15،229 مقيمًا جديدًا في عام 2019 ، في عام 2020 انضم 12،132 مقيمًا.
من جهة أخرى وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بلغ عدد المواقع الاستيطانية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في نهاية العام 2019 في الضفة الغربية 461 موقعاً، منها 151 مستوطنة و26 بؤرة مأهولة تم اعتبارها كأحياء تابعة لمستعمرات قائمة، و140 بؤرة استيطانية، أما فيما يتعلق بعدد المستوطنين في الضفة الغربية فقد بلغ 688,262 مستوطنًا وذلك في نهاية العام 2019، بمعدل نمو سكاني يصل إلى نحو 2.6%، وتشكل نسبة المستوطنين إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية حوالي 23 مستوطنًا مقابل كل 100 فلسطيني، في حين بلغت أعلاها في محافظة القدس حوالي 69 مستوطنًا مقابل كل 100 فلسطيني. وشهد العام 2020 زيادة كبيرة في وتيرة بناء وتوسيع المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية حيث صادقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على بناء 6,719 وحدة استيطانية في عام 2020، كما تمت المصادقة على مخططات تتضمن 12,159 وحدة أخرى خلال العام نفسه، بالإضافة الى إقامة 11 بؤرة استيطانية جديدة.
عن درج