
بعد تلمسه مخاطر عملية طرد ممنهجة من قبل الحكومة الإسرائيلية المقبلة تطال عددا كبيرا من فلسطينيي الداخل؛ أشارالبروفسور اليساري الهوى ” يورام يوفال ” في مقال له نشر اخيراً في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية ، الى أن عملية الترانسفير ستدفع (200) ألف عربي فلسطيني على مدار يومين الى خارج ديارهم في الداخل الفلسطيني باتجاه مخيم سيقام في الضفة الغربية ، وسيتم نقلهم عبر 400 حافلة إسرائيلية.
مخططات الترانسفير
واللافت في مقال “يوفان” تأكيده أن الليكود بزعامة نتنياهو يسعى لإبقاء العرب في منازلهم خلال انتخابات الكنيست ليعود الى سدة الحكم ويقوم بعملية الترانسفير للعرب بغض النظرعن تركيبة الحكومة ومجرميها .
رغم أن مقالة البروفسور “يوفان” تتحدث عن توجهات الحكومة الإسرائيلية اليمنية المقبلة، لطرد العرب في وقت تشهد فيه الأحزاب العربية صراعات وتشظيات عشية الانتخابات قد تطيح بالتمثيل العربي بالكنيست المقبلة ؛ لكن الثابت أن افكار ومخططات طرد العرب من وطنهم ليست حديثة العهد ، بل هي في صلب المشروع الصهيوني، بغرض تفريغ الأرض من أصحابها الحقيقيين وفرض الإحلال الديموغرافي التهويدي.
وتسعى إسرائيل منذ عام 1948 إلى القيام بعمليات ترانسفير مباشرة من خلال استخدام القوة العسكرية القمعية، وغير مباشرة للفلسطينيين من خلال استصدار قرارات وقوانين إسرائيلية جائرة، تارة بحجج أمنية وتارة أخرى بمسميات التطوير والتحديث للبنى التحتية.
ونجحت العصابات الصهيونية عبر ارتكابها للمجازر في عام 1948 وقبله من طرد غالبية الشعب الفلسطيني، وقامت الحكومات الإسرائيلية منذ إنشاء إسرائيل وحتى العام الحالي 2022 بابتكار سياسات إسرائيلية مدروسة لتهيئة الظروف لطرد مزيد من العرب الفلسطينيين والحد من تزايدهم الطبيعي المرتفع، فضلاً عن جذب مزيد من يهود العالم لقلب الميزان الديموغرافي لصالح اليهود.
وإن نجحت السياسات الإسرائيلية بشكل نسبي في توجهاتها، إلا أن وجود نسبة كبيرة من الشعب الفلسطيني في داخل فلسطين التاريخية؛ وخاصة في الداخل المحتل يؤرق أصحاب القرار والمؤسسات المختلفة في إسرائيل، ولهذا نرى تسارعا ملحوظا في وتيرة استصدار القرارات الإسرائيلية العنصرية التي تستهدف بمجملها اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم والقيام بعملية تهويد مدروسة تطال الأرض الفلسطينية وكذلك المعالم العربية المختلفة في فلسطين عبر تغير مسمياتها الى عبرية .
لم تكن عملية اقتلاع القسم الأكبر من الشعب الفلسطيني صدفة تاريخية، بل تم التحضير لمشاريع الترحيل واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم منذ المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل السويسرية في نهاية شهر أغسطس/آب من عام 1897.
وكان العنوان الأبرز من أجل التنفيذ ارتكاب المذابح بحق الفلسطينيين باعتبارها من أنجع الوسائل التي يمكن استخدامها من قبل العصابات الصهيونية والجيش الإسرائيلي تالياً لإثارة الرعب بين السكان العرب وترويعهم، وبالتالي حملهم على الرحيل.
المجازر والترويع
أشارت استطلاعات رأي إسرائيلية خلال السنوات الأخيرة الى تأييد نسبة كبيرة من التجمع الاستيطاني اليهودي الإسرائيلي فكرة طرد فلسطيني الداخل، جنباً الى جنب مع دعوات قادة أحزاب الى تنفيذ تلك الفكرة وفي مقدمتهم الارهابي “أفيغادور ليبرمان” رئيس حزب إسرائيل بيتنا.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن أشار في مذكراته أن المنظمات الصهيونية العسكرية قد قامت بطرد العرب، وهي التي نظمت عملية القتل والترويع ثم الطرد، وفي هذا السياق تشير الدراسات إلى أن عدد المذابح التي أمكن تسجيلها قد وصل إلى (34) مذبحة، منها (24) مذبحة في منطقة الجليل، وخمس مذابح في وسط فلسطين، وخمس مذابح في منطقة الجنوب.
مذبحة دير ياسين
وثمة سبع عشرة مذبحة نفذت في ظل احتلال بريطانيا لفلسطين قبل عام 1948، ودون تدخل يذكر من قبل الجيش البريطاني، في حين تمّ ارتكاب سبع عشرة مذبحة صهيونية بحق الفلسطينيين العزل بعد انتهاء الانتداب البريطاني، ومن أشهر المذابح دير ياسين، ومذبحة الطنطورة في قضاء مدينة حيفا، والمذبحة التي ارتكبت في قرية بلد الشيخ في قضاء حيفا، وكذلك في قرية الصفصاف في قضاء مدينة صفد، وعيلوط في قضاء مدينة الناصرة، ناهيك عن مذبحة مروعة ارتكبت بحق عرب المواسي، لكن أكبر المذابح كانت ارتكبت في الدوايمة قضاء مدينة الخليل.
ويمكن الكشف عن عشرات من المذابح الصهيونية في حال الوصول إلى رواة من القرى التي ارتكبت بحقها المذابح، لكنها لم تسجل لأسباب ضعف الإعلام من جهة وعدم وجود وعي كافٍ لتسجيل التاريخ الشفوي الفلسطيني ومن بينها المذابح.
ومن الوسائل التي سرعت في عمليات إفراغ القرى والمدن الفلسطينية من أهلها العرب الحرب النفسية والدعاية والحرب الإعلامية، حيث عمدت العصابات الصهيونية التي ارتكبت المذابح إلى فتح باب الخروج من إحدى جهات القرية لبعض من شهود عيان من أجل نشر الروايات حول الترويع الذي حصل بالفلسطينيين لحمل العرب الفلسطينيين على الرحيل إلى خارج فلسطين.
وثمة حقائق مثيرة حول الترانسفير الإسرائيلي، حيث تمّ طرد مبرمج لنحو (850) ألف فلسطيني في عام 1948 كمقدمة أساسية لفرض وقائع ديموغرافية يهودية في المناطق التي أقيمت عليها إسرائيل قبل أكثر من 74 عاماً ، واستمر مخطط التهجير الإسرائيلي، فأثناء احتلال الجيش الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967 تم طرد 460 ألف فلسطيني بشكل مباشر وغير مباشر، وليطلق عليهم فيما بعد لقب نازحي العام المذكور.
وتشير تقديرات فلسطينية إلى أن مجموع النازحين الفلسطينيين قد وصل إلى نحو مليون وثمانمائة الف نازح خلال العام الحالي 2022 . ومن الأهمية بمكان التأكيد بأن السياسات الإجلائية ومخططات الترانسفير الإسرائيلية المختلفة طالت نحو 70 في المائة من مجموع الشعب الفلسطيني والبالغ (14) مليون وثلاثمائة الف فلسطيني حسب تقديرات الجهاز الإحصائي الفلسطيني لعام 2022.
التجمع الاستيطاني
ويبقى القول إن إمكانية القيام بعمليات طرد جماعية لفلسطيني الداخل قائمة بغض النظر عن شكل وتركيبة الحكومة الإسرائيلية المقبلة التي تفرزها انتخابات تشرين ثاني /نوفمبر المقبل، ومرد ذلك انزياح التجمع الاستيطاني برمته نحو العنصرية الفاشية الذي انعكس على خطابات الأحزاب الإسرائيلية وقادتها، الأمر الذي يؤكد ضرورة عودة الأحزاب العربية في الداخل المحتل الى جادة الصواب وتغليب المصلحة الوطنية على الأجندات الضيقة ، ومن شأن ذلك أن يعزز ثبات فلسطينيي الداخل في أرضهم لمواجهة مخاطر التهجير ووقوع نكبة أخرى، كما تحتم الضرورة اتخاذ منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني مواقف عملية واضحة ومباشرة لدعم وتثبيت فلسطينيي الداخل باعتبارهم جزءا أساسيا وأصيلا من الشعب الفلسطيني .
عن القدس العربي