“فرحة” – فرحةُ مَنْ؟

شاهدت فيلم “فرحة” على شبكة النتفليكس بعد اتاحته من قبل هذه القناة إثر الضجة السياسية والاعلامية التي افتعلتها اسرائيل ووسائل إعلامها المجندة للتحريض على الشعب الفلسطيني والعرب عامة، ومنع عرضه في مدينة يافا، المدينة الفلسطينية الجريحة.

حكاية الفيلم مقتبسة من إحدى آلاف القصص الفلسطينية من زمن النكبة الرهيبة التي دمرت الشعب الفلسطيني وعكرت صفو حياته. لكن ما يميز حكاية الفيلم أنه ينقل الرواية الفلسطينية بعيون فتاة-صبية رأت ما سمعناه وقرأنا عنه، وما تناقله الآباء والأمهات مما اقترفته اليد الاثمة بحق الشعب الفلسطيني في العام 1948.

فرحة الجريئة التي تعكس صورة جميلة وصافية لفتاة أصرت على متابعة تعليمها في المدينة بالرغم من العقبات التي اعترضتها، وكانت تحمل حلم فتح مدرسة في قريتها لتعليم مواضيع أخرى بالإضافة إلى حفظ القرآن الكريم وتلاوته وأصول العربية.

هي فتاة متمردة على نُظُمِ مجتمعها التقليدي برفضها عرض الزواج من ابن عمها، لأن لديها مشاريع أخرى تخصها هي.

ووقعت الواقعة، وانضم والدها إلى الثوار للدفاع عن فلسطين أرضا وشعبا، واختفت آثاره. وقبل ان ينضم إلى الثوار، قام بحبس فرحة في غرفة “المونة” للحفاظ عليها وحمايتها من كل أذى … وهناك عاشت القسوة والألم، كما عاشها الفلسطينيون خارج الغرفة. من ثقب صغير رأت ما فعلته العصابات اليهودية المجرمة، في حين أن العالم، بما فيه ما يسمى الشرعية الدولية لم ير إلى اليوم بالفضاء الواسع ما فعلته هذه العصابات.

كان يكفي لفرحة أن ترى من الثقب لتدرك حجم وهول الجريمة النكراء التي اقترفتها أيدي المجرمين السفاحين. ورأت كل الحكاية في تهجير اهل قريتها وقرى أخرى، في تعذيب الناس، وقتلهم بالجملةبدون رحمة، ورأت العمالة والخيانة والمخبرين. لم تستطع أن تبقى لوحدها بدون أهلها وأصحاب الأرض الشرعيين. لم يكن بإمكانها متابعة الحياة ودروبها بدون من لها بهم صلة.

عرّى هذا الفيلم وفضح من جديد اسرائيل وجيشها الذي تصفه حكومات اسرائيل “الاكثر أخلاقية في العالم”. عرّى هذا الفيلم زيف وأكذوبة الرواية الصهيواسرائيلية بالنسبة لما وقع في 1948. فإسرائيل لا تزال تنكر كليا ما حصل، وتُحمِّل الضحية “القيادة الفلسطينية والعربية والشعب الفلسطيني” كامل المسؤولية عن التهجير والترحيل والتدمير (دمرّت اسرائيل 531 قرية ومدينة ولدينا قوائم بها)، وقتلت آلآف من سكانها(لدينا قوائم بأسماء شهداء كل قرية وكل عائلة فيها).

فبعد 75 عاما لا زالت اسرائيل وحكوماتها وشعبها وإعلامها ينكر مسؤوليتهم عن النكبة. وبعد 75 سنة لم تحقق اسرائيل اي سلام مع الفلسطينيين ومع العرب إلا مع انظمة سياسية محدودة. ولم تنجح حكومات اسرائيل عبر الزمن من تركيع وتطويع وهزيمة الشعب الفلسطيني، لأنه يحمل قضية حق وعدالة.

فما الذي يخيف اسرائيل من الفيلم ويثيرها؟باختصار شديد، ترفض أن يظهر جيشها بمظهر العصابات(الميليشيات) القاتلة والمدمرة. لقد سعت اسرائيل الى تبييض نفسها وغسل يديها وتطهيرها مما اقترفته، إلا أن شبح الجريمة يلاحقها في هذا الفيلم.

أعرف مخرجة الفيلم الشابة المبدعة دارين سلام التي تحمل رسالة واضحة في اعمالها، ألا وهي القضية الفلسطينية وايصال صوتها وصورتها إلى كل العالم. ووسيلتها “الفيلم”. كما أنني اعرف ديمة عازر منتجة الفيلم التي تحمل أيضا هدفا انسانيا ساميا في كشف الحقيقة وتقديمها واضحة كالشمس للعالم. لعلّ هذا العالم المصاب بالعمى تسقط القشور عن عينيه ويبدأ بالنظر إلى الحقيقة.

فرحة “فرحة” في أنها لفتت نظر العالم من جديد إلى القضية الفلسطينية التي تقض مضاجع اسرائيل وحكومات أخرى مؤيدة لها.

شكرا دارين وديمة وآية وأشرف والممثلين والممثلات على ما قدمتموه للسينما العربية والاردنية – الفلسطينية من مساهمة تعكس ايمانكم بصدق القضية. شكرًا لكم جميعا لأنكم أعدتم القضية إلى الواجهة في زمن الغفلة.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *