فتح في الانتخابات القادمة
بدون مقدمات، واسترشادا بمنهجية التقييم العلمية المتبعة في مثل هذه الاوضاع سنخضع فتح للتقييم، بدون عواطف ولا مواقف نمطية مسبقة، بدون اوهام ولا تضخيم او استهانة.
هناك ثلاث مناهج في التقييم: الاول يتم فيه اسقاط الرغبات على التقييم، سواء رغبات الجهة الخاضعة للتقييم او المنافسة وبهدف الوصول الى استخلاصات لتوظيفها في الدعاية الانتخابية اما لإقناع الجمهور او لتيئيس المنافس، المنهج الثاني تقييم مجزوء لدراسة أثر حدث او فعل محدد على توجهات الناخبين في التصويت وهذا ايضا تقييم استخدامي، اما المنهج الاخير فهو تقييم شامل وموضوعي يعتمد الحقائق المجردة ويصل الى النتائج العارية بدون اي رتوش وهذا هو المنهج الذي نعتمده. ولطبيعة المقالة القصيرة لن نبحث في التفاصيل او اننا سنتجاوزها في العرض هنا مع اخذها في الاعتبار، سيكون التقييم شموليا ومكثفا وبدون تفاصيل، هذه المقالة لا تتضمن التقييم بتفاصيله، نقاط القوة والضعف، استعراض مفاصل العمل، القراءات المقارنة، ولكن المقالة تستند الى هذه تلك التفاصيل لتعرض النتائج والاستخلاصات، اننا لا نجري بحث استقصائي او خطة انتخابية بل نكتب مقالا لذلك كان التكثيف الاستنتاجي هو الغالب.
سنبدأ بتقييم لوضع فتح باستقلالية عن القوى المنافسة اولا، ثم سنحدد القوى المنافسة التقليدية والمحتملة ونخضعها لذات الالية في التقييم وباستخدام ذات المعايير، وفي المرحلة الثالثة سنجري مقارنة بين فتح والقوى المنافسة الحالية والمحتملة، وفي النهاية الاستخلاصات متضمنة التوصيات.
اولا: تقييم عام لفتح
المشروع السياسي القائمة عليه حركة فتح منذ ربع قرن وهو حل الدولتين قد فشل وقد جاء الضم والاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل والتطبيع العربي مع اسرائيل تأكيدا صارخا على هذا الفشل. ورغم ان حركة فتح بذلت جهدا جبارا لإنجاح هذا المشروع الا ان القوى المعادية قد افشلته، شكل هذا الفشل امام الجمهور فشلا استراتيجيا لخيارات فتح الاستراتيجية. الوضع الاقتصادي تحت حكم السلطة التي تهيمن عليها فتح هو الاسوأ منذ ربع قرن. اكثر من ثمانون بالمائة من الشارع الفلسطيني يعتقدون ان الفساد موجود بدرجات متفاوتة في كل مرافق واداء السلطة، الحريات العامة في تراجع ملحوظ وان كان بمستوى قليل نتاج الاعتقالات على خلفية انتقاد وضع السلطة، تغول الاحتكارات الكبرى بدرجة مفضوحة مثل شركات الاتصالات واحتكارات الـ المصري وصندوق الاستثمار وبشكل مفضوح.
وفي تقييم حركة فتح الداخلي: انقسام معلن وان كان هامشيا وصغيرا عبرت عنه ظاهرة محمد دحلان. تهميش العدد الاكبر من كوادر فتح التاريخيين وعلى مختلف المستويات وهذه ظاهرة ممنهجة وواسعة الانتشار، عدم ثقة متزايدة في كل او بعض شخوص النخب القيادية التنظيمية وهذا ينتشر على مستوى اعلامي وبشكل كبير، تناقضات او مناكفات الشخوص في المستويات القيادية وبشكل معلن جزئيا او كليا، ترهل وتناقض وانعزالية في البنى التنظيمية القاعدية في الاقاليم والمناطق.
وفي تقييم حركة فتح ايضا: تراجع شعور القبيلة الذي كان يستثير قواعد وأنصار حركة فتح عند الازمات وذلك نتاج اختلاف مستوى المكاسب والمصالح التي تحققت لهذه القواعد والانصار في علاقتهم بفتح والسلطة، عدم قناعة المستويات التنظيمية بشخوص واداء المستوى القيادي والتعبيرات الواضحة على ذلك بعدم التصويت للحركة نكاية بهم او بمسلكياتهم. النزعة الثأرية التي تراكمت نتاج مؤتمرات فتح المتهمة بالتزوير واسقاط كوادر وانجاح اخرى او باستبعاد كوادر من المؤتمرات هذه النزعة تبحث عن فرصة للتعبير عن نفسها وتجد الانتخابات العامة فرصة للثأر.
وفي تقييم فتح ايضا: غياب آليات اختيار الاعضاء للقائمة نتاج غياب التراتبية او غياب الثقة و / او القناعة بتلك التراتبية. شعور متزايد باستئثار البعض على الحركة والهيمنة عليها، التجييش في المستويات القيادية للكوادر على قاعدة الولاء الشخصي وضد منافسيهم في الحركة الذين تحولوا اعلاميا في حلات متكررة الى خصوم، لا يوجد اليات لإلزام عناصر وكوادر الحركة بقرارات الاطر العليا كما تبين في انتخابات سابقة، لا يوجد بنى قاعدية متماسكة تستطيع جمع عناصر الحركة وكوادرها والزامهم بالانتخاب.
كل تلك نقاط ضعف، نعم ونقاط القوة هي ما تبقى، تاريخ الحركة الكفاحي والذي تآكل بعض منه واستهلك نتاج الاداء عبر العقدين الاخيرين، السلطة استطاعت ان تبني مؤسسات دولة مدنية بحرفية وحداثة واسست بنية مؤسساتية للدولة وهذا يحسب لها ولكن الكم المتراكم من الفساد او الشعور العام بفساد أطفأ بريق هذا الانجاز. ما تبقى من شعور القبيلة الذي ما زال حاضرا في مستويات قاعدية يستثير عناصر الحركة وانصارها الى حد ما، بعض الولاء العشائري والقبلي الذي يمكن لفتح الاستثمار فيه عبر علاقات مع زعماء العشائر والزعماء المحليين، نزعة ارهاب الجمهور من حكم المنافسين، استخدام الامن في الانتخابات بطرق مختلفة منها الترهيب والتحشيد والتي قد تكون نتائجها مختلفة ومتناقضة، استخدام امتيازات السلطة للتحشيد وشراء الولاء والتي تحمل نتائج مختلفة ايضا.
الى هنا نكون قد وصلنا الى الخطوة التالي وهي تقييم القوى المنافسة. هناك القوى المنافسة التقليدية وهي حماس، قوى اليسار الفلسطيني مجتمعة او منفردة. وهناك منافسين محتملين: قوائم رجال اعمال، قوائم مستقلة، قوائم كوادر من حركة فتح ومستقلة عن قرارات الحركة
المنافس الاقوى والاهم وهو حركة حماس: تعيش حماس اوضاعا لا تختلف كثيرا عن اوضاع فتح: فشل مدوي لتجربة الحكم في غزة، وفشل مشروع المقاومة وتحولها الى مقاومة استخدامية لصالح مشروع الحكم في غزة، ارتباطها وولائها لدول واحلاف اثرت على استقلاليتها الفلسطينية، ورغم تمسكها بمشروع المقاومة ظاهريا وامتلاكها بعض من مقومات ممارسته الا ان هذا الشعار بدأ يفقد بعضا من بريقه لدى الجمهور الفلسطيني خاصة بعد الاداء في الحكم في غزة وبعد الاستخدام الساذج لهذا الخيار في تعزيز الحكم .كما ان الفشل في المشروع السياسي العام ارخى بظلاله على حماس واصبحت الى حد ما محدود نسبيا مقارنة بفتح جزءا من هذا الفشل ومسببا له وذلك باعتبار الانقسام الذي ساهمت مساهمة كبرى فيه احد اسباب هذا الفشل .
حماس على صعيد البنية والعلاقات بين المستويات في البنية، لا امتلك ما يكفي من المعلومات للتحديد، ويبدو هذا الموضوع خارج نطاق التداول الاعلامي، ولكن هناك من الخلل والترهل ما يعكسه الوضع العام للتنظيم، ربما بنسب متفاوتة ولكن يتم استخدام العامل العقائدي الديني بشكل واسع وكبير لترميم هذا الخلل وقد نجحت حماس الى حد كبير في انتخابات سابقة في استخدام هذا العامل. الالتزام في حماس كبير نسبيا وقدرة المستوى القيادي في اصدار القرارات ومتابعة تنفيذها عالية نسبيا.
تستطيع حماس تجميع أنصار أكثر من عناصر عبر خلق حالة تشابك بين المعتقد الديني والموقف السياسي والعلاقات المصلحية، وهذا يساعدها بشكل او باخر في الانتخابات.
ترتبك حماس في تقديم برنامج اجتماعي اقتصادي مقنع لعدم امتلاكها ذلك ولان تجربتها في غزة تتسم بفساد من جهة وبغياب اداء له علاقة ببرنامج متميز. تستطيع حماس استخدام الحصار لتبرير فشلها وقد تنجح في بعض الاواسط في هذا التبرير.
تستخدم حماس القمع وتكميم الافواه بطريقة فجة ومكثفة أكثر من سلطة فتح في رام الله وتستخدم الترهيب لجمع الاصوات وربما المضايقة الكبيرة على الخصوم.
المنافس التقليدي الاخر لفتح هو قوى اليسار مجتمعة او متفرقة، بدون الخوض في وضع كل فصيل على حدة، فان اليسار الفلسطيني يعاني من ازمات من نوع اخر، فقد اليسار تميزه بمشروع سياسي اقتصادي مستقل وظهر جماهيريا وكانه ملحق وذيلي اما لمشروع فتح او لمشروع حماس وهذا ما افقده تميزه وقدرته على الحشد لصالح مشروع خاص به، اليسار لا يمتلك المقدرة على التحشيد الواسع جماهيرا ولكنه يستطيع استخدام فشل او سوء الاداء في كل من غزة والضفة ليقدم نفسه من خارج دائرة الفشل هذه، لا يمتلك اليسار سوى اطروحات نقدية لكل من فتح وحماس وذلك بغياب برنامج مختلف او متميز، وحتى المقاومة فلا يمتلك اكثر من شعارات وتجارب محدودة التأثير، يستطيع اليسار الاستفادة من النخب العلمانية والتي لا ترى في فتح خيارا ولكنها نخب محدودة العدد والتأثير.
باختصار مكثف هذا حال القوى المتنافسة الثلاث، ولكن قد يبرز منافسون محتملون اخرون، وعلى الارجح ان يكون ذلك، ورغم استخدام فتح وحماس هالة القداسة الوطنية والمشروع الوطني لإخافة الاخرين او تعطيل منافستهم فالأرجح هذا لن يجدي كثيرا، وحتى اتفاق فتح وحماس وقوى اليسار على قوائم او قائمة موحدة او منسقة لا يعتقد انه سيمنع ظهور منافسين وان كان سيقلل العدد.
المنافسين المحتملين هم: قائمة او أكثر لرجال الاعمال، قائمة او أكثر لنخب اكاديمية او ثقافية، قائمة او أكثر لمستقلين، قائمة او أكثر لتحالف عشائري، قائمة او أكثر لشخصيات كان لها ماضي تنظيمي، قائمة او أكثر لتوليفة من كل / او بعض ما ذكر.
كل تلك القوائم تعتمد في حشد التأييد لها على اخفاق تجربتي الحكم في غزة والضفة. تآكل لشخصيات او / وبرامج القوى السياسية، فشل المشروع السياسي، السيرة الذاتية لمرشحي قوائمهم، التحشيد العشائري او المصلحي، تراجع الثقة الشعبية بالتنظيمات السياسية.
ستشكل القوائم المحتملة منافسا قادرا على استقطاب أكثر من فئة من المصوتين: جزء مهم ممن قرروا الامتناع عن التصويت لعدم ثقتهم بالقوائم التقليدية، جزء من الغاضبين او المحبطين من اداء الفصائل الفلسطينية، جزء ممن يعتقدون بان الفساد وسوء الاداء والجهوية في السلطتين في غزة والضفة هو المهيمن ولا بد من تغيره. وجزء لا يصوت اصلا الا بناء على معرفة شخصية بالمرشح، في المحصلة النهائية فان تلك القوائم تستطيع رفع نسبة التصويت بما لا يقل عن عشرة بالمائة كحد متوسط، اضافة لأخذها نسبة مماثلة من مصوتي الفصائل ونفس النسبة من المترددين، بمعنى انها ستحصد ما يقترب ثلث اعضاء المجلس، وهذا ما يشكل تغييرا دراماتيكيا في المشهد الانتخابي الفلسطيني.
ستشكل تلك القوائم تحد جدي لكل من فتح وحماس واليسار ، لكن القوة الاكثر تأثرا بهذه القوائم ستكون حتما هي فتح، لان جمهور حماس واليسار هو جمهور عقائدي نسبيا ونخب حاسمة مواقفها، بينما فتح جمهورها الاكبر هو كل ما خارج دائرة الانتماء او الالتزام الفصائلي ، لهذا فان تشتيت الاصوات عبر تزاحم القوائم يضر بها كثيرا ، واي نجاح لأي من تلك القوائم سيكون على حسابها ، هذا من ناحية ولكن من الناحية الاخرى فالأرجح ان نجاح اي من هذه القوائم سيكون بعد تشكل البرلمان لصالح فتح حيث سيكونون اقرب في تحالفهم مع فتح ، ودوما هناك استثناءات وان كانت قليلة .
امام فتح والحالة كهذه وفي ظل عدم وجود وقت ولا امكانية لإعادة ترميم البنية التنظيمية أربعة احتمالات:
اولا: محاولة الضبط ما أمكن لتكون قائمة لفتح وخلق حالة توافق عبر اقناع وترهيب واسترضاء لتشكل هذه القائمة محل اجماع او على الاقل رضا الاغلبية الساحقة من فتح.
ثانيا: تشكيل هذه القائمة كما في البند الاول مع السماح لأعضائها ان يكونوا في قوائم اخرى ويكون اللقاء تحت قبة البرلمان.
ثالثا: عمل قائمة وحدة وطنية شاملة مع حماس او التنسيق بين القوائم بما يحقق الانسجام والتناغم والوقوف في صف واحد ضد القوائم المحتملة.
رابعا: تعويم القوائم بما يسمح لكل شخص من فتح ان يشكل او يدخل في قوائم اخرى واللقاء تحت قبة البرلمان
الاحتمالين الاول والرابع يملكان نفس النسبة في الاستحالة، وهي نسبة عالية ان لم تكن مطلقة، فلا فتح بقادرة على ضبط الامر في قائمة واحدة مهما استخدمت من ترغيب وترهيب واقناع ولا هي تستطيع المغامرة بالتعويم الكامل مما يفقدها هويتها وشخصيتها كتنظيم كبير قائد. يبقى الاحتمال الثاني والثالث ، الاحتمال الثاني ان يكون لفتح قائمتها الرسمية ويسمح لأعضائها ان يشكلوا او يكونوا في قوائم اخرى ، يبدو ان هذا الاحتمال هو احتمال الامر الواقع الذي سيكون سواء برضا او عدم رضا قيادة الحركة، وحتى لو بدى ان القيادة غير راضية ستضطر في مرحلة ما الى التعاطي مع النتائج، اما الخيار الثالث وهو اتفاق على قائمة وحدة وطنية او قوائم منسقة بين القوى فذلك احتمال قائم وان كان ضعيفا بسب ازمة الثقة العالية بين فتح وحماس، وحتى اغراء الاتفاق امام القوائم الاخرى فلا يكفي للوصول الى هذا الوضع، وحتى لو تحقق ذلك فهذا لا يلغي اطلاقا ان هناك قوائم او بعض من قوائم ستكون من كوادر حركة فتح وهذا يزيد من ازمة الثقة بين الفصائل اكثر حيث ستعتبر حماس ان ذلك التفاف عليها لتحصل فتح على مقاعد اضافية عبر قوائم متعددة .
بهذا الاستعراض المكثف لا نكون قد رسمنا خارطة فتح الانتخابية ولكننا نضيئ بذلك بعض الجوانب التي تساعد في رسم خارطة انتخابية، وهناك بالطبع مفاجئات في كل انتخابات، وفي هذه الانتخابات لدينا اكثر من عامل قد يغير من الامر، توقيت الانتخابات في ظل احداث متسارعة قد يغير من مزاج الشارع مما يترك تأثيرا على النتائج، شخوص القوائم الانتخابية لمختلف القوائم، فشعبنا لديه اهتمام بالشخص اكثر من البرنامج، موضوع اخر فان متغيرات دراماتيكية تترك اثرا كان تجري عملية تبادل اسرى لحماس او يتم تجاوز للازمة الاقتصادية او استهداف اسرائيلي يخلق حالة تعاطف لصالح جهة ما.
خلاصة القول إن الوضع الانتخابي لكافة القوى التقليدية على الساحة الفلسطينية صعب لكن الاصعب هو وضع حركة فتح ، نظرا للحالة الداخلية للحركة والسياسية العامة، ليس هناك فرصة لترميم الحالة الداخلية لعدم وجود ارادة حقيقية ولعدم توفر الوقت، ولا يوجد في الافق انجاز سياسي يمكن تقديمه، خوض الانتخابات في هذه الحالة مغامرة محفوفة بمخاطر ليست قليلة ولكن حتى فكرة التأجيل ليس هناك ما يعول عليه لتغيير هذا الوضع، تمتلك فتح امكانيات لتعديل النتيجة، المراهنة على تحالفات داخل قبة البرلمان اقوى هذه الاوراق، غض النظر عن قوائم قريبة او من اعضاء الحركة دون تبنيها ايضا امكانية واقعية ستساهم في تعديل النتيجة ، استباق الانتخابات بإعادة توزيع الحصص هي وصفة سيئة حيث تزيد من انكشاف ظهر الحركة وزيادة الميول الاستقلالية داخل الحركة ، لكن الاسوأ على الاطلاق ان تستخدم فتح الترهيب او شراء الذمم لمنع نزول قوائم موازية حيث لن تستطيع اولا وثانيا هذا يزيد الحنق الداخلي ويشجع على الامتناع عن التصويت ويعطي الفرص لقوى منافسة .