
فجأة ومن دون أي مقدمات سحبت صفة “الدعشنة” عن حركة حماس التي ألصقها بها المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، وحوّل بوصلة دعايته الإعلامية نحو حركة الجهاد الإسلامي، متفوقا على جوزيف غوبلز وزير دعاية الزعيم النازي أدولف هتلر.
وبعد دقائق من الإبادة التي ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين بقصفه مستشفى المعمداني بغزة، مخلفا أكثر من 500 شهيد ومئات المصابين، خرج أدرعي ومن لفّ لفه من المتحدثين الإعلاميين للجيش الإسرائيلي والمستشارين لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بنفي التهمة عنهم وإلصاقها بحركة الجهاد واستبعادها حماس “الداعشية التي قطعت رؤوس الأطفال وأحرقت النساء” بحسب رواية الاحتلال.
ونفت حركة الجهاد “الأكاذيب” و”الاتهامات الباطلة” التي وجهتها إليها إسرائيل، مؤكدة أن المستشفى استهدف “بقصف جوي أطلق من طائرة حربية” إسرائيلية.
صورة ثم فيديو
ولم يتوقف أدرعي عند هذا الحد، فزعم أن هناك “تحقيقا شاملا ودراسة كافة الأنظمة العملياتية والاستخبارية في جيش الدفاع، تؤكد بشكل واضح أن جيش الدفاع لم يهاجم المستشفى المعمداني”.
وتابع “أصيب المستشفى نتيجة تعرضه لإطلاق فاشل لصاروخ نفذه تنظيم الجهاد الإسلامي.. المنظمات الإرهابية في قطاع غزة تطلق الصواريخ عشوائيا نحو إسرائيل وتعرض أيضًا سكان القطاع للخطر وتمس بهم. حيث سقطت منذ بداية الحرب حوالي 450 من القذائف الصاروخية التي تم إطلاقها على أرض القطاع”.
وبعد “التحليل والتحقيق والدراسة” لا بد من أدلة “تدعم” مزاعمه فبدأ أولا بنشر صورة زعم أنها “التقطت عبر الرادارات وتظهر سقوط الصاروخ الفاشل للجهاد الإسلامي في منطقة المستشفى” ثم فيديو ادعى أنه “من داخل أنظمة سلاح الجو لصاروخ فاشل أطلقته الجهاد الإسلامي”.
وحتى النص الذي أرفقه أدرعي لتغريدته يخالف التسجيل، فالصوت يتحدث عن حوار بين “عنصرين من حماس” ومنشور المتحدث باسم جيش الاحتلال يقول إنه “بين ناشط سابق في حماس وأحد سكان القطاع، تحدثا خلاله عن عملية إطلاق صواريخ فاشلة”.
واللافت أن أول من نشر الرواية الإسرائيلية كانت شبكة “سي إن إن” الأميركية حتى قبل أن تنتشر، وقالت مراسلتها نقلا عن جيش الاحتلال أن “حماس أطلقت صاروخا وسقط على المستشفى بالخطأ”، طارحة سؤالا عن توقيت هذه الحادثة عشية زيارة بايدن لإسرائيل.
ومن مبدأ أن الشائعة حتى ولو حلقت في فضاء التواصل الاجتماعي سيطلق عليها الناشطون نيران تغريداتهم ومنشوراتهم ويسقطونها أو يؤكدونها، جاءت الضربة الأولى للرواية الإسرائيلية من مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لشؤون مواقع التواصل “هانايا نفتالي” الذي أكد في تغريدة “حذفها لاحقا” المؤكد: الاحتلال مسؤول عن مجزرة المستشفى.
ولكن هذه الرواية سرعان ما تقلبت وتدحرجت حتى استقر مطلقوها على اتهام حركة الجهاد، وهنا يأتي دور مارك ريغيف مستشار نتنياهو والذي أجاب عن سؤال مباشر لقناة سكاي نيوز البريطانية جاء فيه: هل أنتم من قصفتم المستشفى؟ يجيب الرجل أن “المؤشرات كلها تشير إلى حركة الجهاد”.
ولكن لماذا الجهاد وليس حماس؟
يستعين السفير الإسرائيلي السابق في بريطانيا بأرقام وإحصاءات ليركب قدمين لهذه الرواية، “الإحصاءات تقول إنه في الجولات السابقة نحو 33% من الصواريخ التي أطلقتها الجهاد على إسرائيل سقطت في غزة”.
ويضيف أن “في غزة، ليست هناك مصادر مستقلة، ولكن نؤكد أنها الجهاد شقيق حماس الأصغر وتوأمها في الإرهاب، إسرائيل لا تستهدف المستشفيات”. واعتبر أن “عمل وسائل الإعلام هو البحث عن الحقيقة وليس ترديد كلام حماس وإلقاء اللوم على إسرائيل”.
وطلب مستشار نتنياهو البحث عن الحقيقة، لبّته وسائل إعلام غربية، ففند مراسلا قناتي “بي بي سي” في القدس و”إم إن إس بي سي” في إسرائيل، الرواية واعتبرا أنه من شبه المستحيل أن يخلف صاروخ من المقاومة هذا الحجم الكبير من الدمار.
ويقول مراسل القناة البريطانية إن “حجم الدمار يدلل على أن المنطقة استهدفت بغارة إسرائيلية أو أكثر، لأن حجم الانفجارات الذي قد تخلفه الصواريخ التي تطلق من غزة لا يقارن بما حصل في المستشفى وفي العادة قد يقتل عدة أشخاص ولكن الفيديوهات التي شاهدتها من المستشفى تفيد بالعكس”.
بدوره، أكد مراسل القناة الأميركية أن إسرائيل لم تقدم أي دليل على أن الصواريخ التي ضربت المستشفى أطلقت من غزة، و”علينا القول إن هذه الحصيلة من القتلى لم ترتبط في السابق بصواريخ أطلقت من غزة”.
واللافت أن أغلب الإعلام الغربي، إما تناول على استحياء القصة وتبنى الرواية الإسرائيلية وإما تجاهلها تماما.
تضليل الإعلام والرأي العام
ولكن هذه الرمادية في الإعلام الغربي تحولت إلى وضوح وتأكيد وتبني للرواية الإسرائيلية من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن الذي قال لنتنياهو: “حزنت وغضبت بشأن الانفجار في المستشفى المعمداني أمس الثلاثاء، ويبدو أن الجانب الآخر وراء ذلك وليس أنتم”.
وبين الرواية الإسرائيلية المتناقضة والتكذيب الإعلامي ونفي حركة الجهاد الإسلامي، توصل تحقيق أجرته شبكة الجزيرة، أن الجيش الإسرائيلي تعمد تضليل الإعلام والرأي العام في روايته حول استهداف مستشفى المعمداني.
ويستند تحقيق وحدة التحقيقات الاستقصائية مفتوحة المصدر بوكالة “سند” على تحليل الصور وبناء الخط الزمني للأحداث من خلال البث الحي لقناة الجزيرة وصور حية أخرى من داخل إسرائيل، ومشاهد من شهود عيان بغزة للحظات التي سبقت قصف المستشفى، إضافة إلى تحديد مواقع جغرافية لاتجاهات التصوير الرئيسية.
عن الجزيرة نت