

أعطى قرار ضرب الجهاد الإسلامي دفعة شعبية لنتنياهو – لكن هذا لن يستمر على المدى الطويل.
باغتيال أربعة من قيادات الجهاد الإسلامي ، مع تأكيد إعلامها على دقة الصواريخ ودقة المعلومات الاستخباراتية المجمعة. بدت هذه التغطية غير مبالية إلى حد كبير بحقيقة أن العملية أسفرت عن مجزرة مدمرة. وصورت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية الخسائر – بما في ذلك الأطفال والنساء والعاملين في المجال الطبي – على أنها حصيلة مقبولة. حتى أنها تفاخرت بالعدد القليل نسبيا من الضحايا المدنيين الفلسطينيين، وساد شعور بالفخر والشرف والاحتفال في إسرائيل.
وظهر إجماع وطني، حيث أعرب قادة المعارضة البرلمانية عن دعمهم لتحركات حكومة نتنياهو. ويقول محللون أن العملية قد تطيل عمر الحكومة المحاصرة، التي كانت تواجه صراعا داخليا ويبدو أنها على وشك الانهيار.
كان إيتامار بن غفير -الزعيم اليميني المتطرف لحزب القوة اليهودية- يقاطع جلسات الكنيست. ورغم ذلك، كان يشيد بالعملية العسكرية، مشيرا إلى دوره فيها، وإلى أن ضغوطه آتت أكلها .
في غضون ذلك، فر آلاف الإسرائيليين من منازلهم بالمجمعات في القرب من قطاع غزة ، حيث أشرف الجيش على خطة إخلاء واسعة. وأشادت إسرائيل بنجاح عملياتها العسكرية ، مستشهدة بالتنسيق الاستخباراتي الناجح بين الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك). وبإظهار قدرتها على استهداف القادة الفلسطينيين حتى في غرف نومهم. وبذلك، إرسال رسالة إلى جميع الفصائل في جنوب لبنان والضفة الغربية المحتلة وغزة، للعلم بان نفوذ إسرائيل كلي.
الاغتيالات المستهدفة
تُظهر استراتيجية إسرائيل في الاغتيالات المستهدفة، سياستها التي لا ترحم في القضاء على قيادة الجهاد الإسلامي، بسبب العمليات البارزة للحركة وفلسفتها في مقاومة الاحتلال. وقد حث المسؤولون الإسرائيليون حماس، مرارا وتكرارا، على عدم المشاركة في المواجهة الحالية.
وبينما توقعت إسرائيل أن تعكس ردود الفعل الفلسطينية الحالات السابقة لعدوانها على غزة، إلا أن ذلك لم يحدث على الفور. فتصاعد التوتر بين المؤسسات الأمنية والسياسية والإعلامية الإسرائيلية، حيث انتظرت الدولة لترى ماذا سيحدث بعد الاغتيالات .وعلى الرغم من أن إطلاق الصواريخ من غزة جاء ليلة الأربعاء. إلا أن التأخير في الرد يبدو أنه يبعث برسالة مفادها أن إسرائيل لم تعد تسيطر على كيفية سير الأحداث. وبدى أن الفصائل الفلسطينية تعمل وفقا لخططها وجداولها الزمنية. على عكس الإيقاع الذي تمليه إسرائيل. وفي نفس الوقت ، فقدت إسرائيل دعم مصر – التي انتقدت بشدة الضربات الأخيرة على حركة الجهاد الإسلامي – على الرغم من جهود الوساطة المستمرة التي تبذلها في غزة. قائلة إن المجزرة قوضت جهود ترسيخ الاستقرار على المدى الطويل، وانتهكت الالتزامات التي قطعتها إسرائيل على نفسها خلال المؤتمرات الأخيرة في العقبة بالأردن وشرم الشيخ بمصر.
يعتقد العديد من الفصائل الفلسطينية والقوى الإقليمية أن القوة الرادعة-التي كانت لإسرائيل السيطرة عليها في السابق- قد تضاءلت بشكل كبير في الأشهر الخمسة الماضية، منذ تشكيل حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وأنها فشلت، استراتيجيا، في تعزيز نفوذها الإقليمي وتحصين دفاعاتها الوطنية.
عيب آخر لإسرائيل يكمن في عدم قدرتها على توقع حدة الرد الفلسطيني على عدوانها. في تل أبيب، اختارت المؤسسة الأمنية هذا الأسبوع فتح الملاجئ العامة وإغلاق المدارس. قد تدفع هذه التكاليف الأمنية والسياسية والاقتصادية الإضافية إسرائيل إلى شن هجوم أوسع على جبهات متعددة، في محاولة لاستعادة السيطرة على مسار المواجهة وعواقبها.
تحييد حماس
على الرغم من عدم وجود دليل على أن العدوان الإسرائيلي الأخير كان نتيجة مباشرة للاضطرابات الداخلية العميقة، يمكن بالتأكيد أن تُعزى قوة الردع المتناقصة للدولة إلى المناخ السياسي الحالي والأزمة الداخلية. وبالتالي، يجب النظر إلى العدوان في هذا السياق.
إذا أثبتت هذه الاستراتيجية العدوانية أنها مثمرة من وجهة نظر إسرائيلية، فسيكون المستفيد السياسي الأساسي هو نتنياهو ، الذي من المتوقع أن ترتفع شعبيته. لكن تعزيز الشعبية هذا لن يستمر على المدى الطويل، ولن يضمن استمرارية حكومة نتنياهو. فبالنظر إلى الصراعات الداخلية عميقة الجذور، والمظاهرات العامة المستمرة. لن يخرج نتنياهو في نهاية المطاف من تحدياته الأكثر إلحاحا. فقد أظهرت استطلاعات الرأي في الوقت نفسه أن ثقة المواطنين الإسرائيليين بزعيم المعارضة بيني غانتس آخذة في الازدياد.
في غضون ذلك ، تراهن إسرائيل على تحييد حماس – التي تحكم غزة فعليا وتملك القوة العسكرية الأكثر أهمية -، وضمان وقف دائم لإطلاق النار.
وبالرغم من ذلك، فقد تصاعد الموقف أكثر بعد أن هدد وزير الطاقة يسرائيل كاتس هذا الأسبوع باغتيال يحيى السنوار زعيم حماس في غزة، ومحمد ضيف القائد العسكري، إذا انتقمت حماس.
فأصدرت حماس بيانا يوم الأربعاء أشارت فيه إلى أن قواتها تشارك في إطلاق الصواريخ انتقاما، على الرغم من أنه لم يتم التحقق من ذلك على الفور.
يجد جهاز الأمن الإسرائيلي نفسه في حيرة من أمره من الرد الفلسطيني المتأخر وغير المتوقع، بعد أن توقع ردة فعل فورية بإطلاق صواريخ، تليها وساطة وضغط وهدنة في نهاية المطاف، حتى نوبة العدوان التالية. لكن ثبت أن الواقع أكثر تعقيدا.
نشأت مخاوف بشأن احتمال أن تمتد حالة الطوارئ الإسرائيلية إلى أجل غير مسمى ، مع احتمال أن تتجاوز التكاليف المرتبطة بها تكاليف المشاركة العسكرية المحدودة. كما يسود تخوفا من احتمال استهداف الفلسطينيين لمسيرة الأعلام للمستوطنين المرتقبة الأسبوع القادم في القدس الشرقية المحتلة.
يبدو أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة. ويبدو أن الهدنة غير مرجحة. ويبدو أن الفصائل الفلسطينية تعمل وفقا لخططها وجداولها الزمنية الخاصة، على عكس الإيقاع الذي تمليه إسرائيل. حيث تنتقل أكثر من دورة رد الفعل إلى مسار عمل أكثر تعمدا. وفي حين أن هذا يخلق ديناميكية جديدة، فإنه لا يغير بشكل أساسي جوهر الصراع.
المصدر: