غزة: ديمغرافيا يصنعها الاحتلال لتهزمه


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

جانب من مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين أحد مخيمات قطاع غزة (الجزيرة)

يعد السكان أو الشعب هو أهم سلاح تمتلكه أي دولة أو أمة، فهو خط الدفاع الأول و الأخير لثقافة  و تقاليد الحضارة، و هي روح الأرض، تدب فيها خيمة أو مسكن أو حتى تفترش الأرض، لتنبت أمة و حضارة و تعقيدا على الأرض يصعب اجتثاثه مع مرور الوقت، و الحقيقة أني دائما ما أفكر في أهم ورقة بيد الفلسطينيين، أهم ما يحافظون من خلاله على قضيتهم، و لم أجد أهم من تواجد الفلسطيني على أرضه، راسخا فيها بل و متعاظما حجما و كثافة سكانية و ثقافية، فالسؤال المؤرق دائما للإسرائيليين هو عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية، حيث و رغم الطرد القسري للسكان خلال النكبة (1948) و النكسة (1967)، و رغم الهجرات الجماعية التي تحاول الدولة الصهيونية اجتذابها، و رغم أن معظم الفلسطينيين متواجدون في الشتات، إلا أن عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية يفوق عدد السكان الإسرائيليين اليهود، حيث أن عددهم 7.5 مليون فلسطيني (5.5 أراضي السلطة الفلسطينية، 2 مليون داخل إسرائيل) مقابل 7.2 مليون يهودي في إسرائيل، و لذلك أعتقد أن إسرائيل خسرت تماما و للأبد منذ قيامها، فهي لم تستطع إكمال مشروعها الإحلالي من خلال تطهير الأرض تماما من السكان، و بالتأكيد لم تستطع هضم السكان الأصليين داخلها كما فعلت النماذج الإحلالية الأخرى مثل الأمريكيين مع الهنود الحمر مثلا.

مشكلة الكثافة السكانية

لكن و رغم ذلك، فهنالك مشكلة أعوص تتمثل في شكل هذا التواجد السكاني، فإسرائيل دائما ما تفكر في كيفية إدارة أزمة السكان الأصليين، و تحاول جاهدة تخفيف هذا التواجد الفلسطيني على الأرض، و فكرة وجود مناطق كثافة سكانية مرتفعة على غرار مدينة غزة أو حتى القطاع ككل، مما يجعل من احتوائها من شبه المستحيل، فالكثافة تخلق شعورا بالقوة، شعورا بالتعاضد، بالوحدة، بكسر الخوف، و شعورا بالضغط الذي ينفجر للخارج و ليس داخليا، لذلك سعت إسرائيل مبكرا لنشر المستوطنات الإسرائيلية ضمن مناطق تواجد الفلسطينيين، مما يخفف من وطأة هذا التواجد الفلسطيني الكثيف، و يشغل كل منطقة تواجد فلسطيني بما حولها من مستوطنات، لذلك أرى أن أحد أهم أهداف حرب ال6 أيام 1967، هي السيطرة على الضفة الغربية و غزة و القدس، ليس فقط من منطلق احتلال كامل أراضي فلسطين، بل للسيطرة على النمو السكاني الفلسطيني المتعاظم، حيث بدأت مدن الضفة الغربية و غزة في الازدهار سكانيا و حضريا، و بدأت ملامح الشعب الفلسطيني الحديث في الظهور على المستوى الدولي و المحلي، مما خلق حالة حقيقية من النسيج الشعبي المتلاحم في الداخل، و لذلك سارعت إسرائيل منذ أول أيام احتلال الضفة الغربية و غزة لخلق و زرع المستوطنات في قلب مناطق التواجد الفلسطيني، و محاولة عزل المدن عن بعضها من خلال الفصل بين كل تجمع و آخر عبر سلسلة من المستوطنات و القواعد العسكرية و نقاط التفتيش، و ذلك لكسر التواصل بين نقاط التجمعات الفلسطينية، و لتفتيت الكثافة السكانية و تحويلها لمناطق تجمع صغيرة بدون أي كثافة حقيقية قد ينشأ عنها قوة شعبية فلسطينية، فلا يوجد ما هو أخطر على إسرائيل من التجمعات الفلسطينية التي تجعل الفلسطيني يشعر بوجوه بشكل حيوي مما يقوي من عزمه، من شعوره بوجوده و يعزز التواصل و اللحمة بين الشعب.

السياسة من خلال شكل المجتمع الفلسطيني

إن علم (سياسة المساحة -Politics of Space) هو فرع علمي لدراسة كيفية تأثير الكثافة السكانية و شكل العمارة على المقاومة و التعاطي مع السياسة بشكل عام، و قد كتبت دراسة عن مخيمات اللجوء في غزة من حيث شكل العمارة و شكل المجتمع و تأثيره على شكل التعاطي مع الاحتلال عام 2019، و لشرح الموضوع بشكل مبسط: يختلف شكل تعاطي المواطن مع الاحتلال باختلاف ظروفه الاجتماعية و السكنية، فمثلا في المدينة الكبيرة ذات البنيان العالي و الشوارع الواسعة، يميل السكان للتظاهر السلمي، و للعمل المدني و للالتحاق بمؤسسات المجتمع المدن العاملة ضد الاحتلال، و ذلك كون مستوى التعليم الجامعي أعلى في المدينة، مما يعني إيمان أعلى للسكان بالمسارات المدنية و القانونية لمقاومة الاحتلال، أيضا فشكل المدينة يعني سهولة اجتياحها، مما يعني سهولة السيطرة عليها و احتلالها، أما انخفاض الكثافة و عيش المواطن في شقق و تكون أسر نووية صغيرة على عكس العائلة الممتدة، يعني أن التلاحم يكون أقل، حيث أن حياة المدينة قد تعني أنك لا تعرف جارك بشكل شخصي، مما يعني صعوبة التخفي و الهرب، صعوبة العمل الفدائي، و ما يترتب عليه من ملاحقات، ناهيك أن دخل الفرد منحصر في عمله المدني، و خسارته بأي شكل يعني أثر اقتصادي حاد و فوري على الأسرة الصغيرة، لذلك فالاندفاع نحو العمل ذو الطابع الصعب أو العنيف يبدو أقل جاذبية، و يعوض عن ذلك كما ذكرت بالانخراط بالأنشطة المدنية و العمل السياسي الصرف، و يضاف أن هذه المدن كان تملك طبقة اقطاعية و متعلمة مهمة، انخرطت في النظام البيروقراطي للدولة الحديثة، فهناك عائلات فلسطينية معروفة عملت مع بيروقراطية الدولة العثمانية ثم مع بيروقراطية حكومة فلسطين تحت الانتداب البريطاني و بعدها مع بيروقراطية الأردن و مصر ما بين عامي 1948-1967، و هي نفسها مع تولت القيادة المدنية لفلسطين إبان الاحتلال الإسرائيلي -ما بعد نكسة 67 ، و تتميز هذه الشخصيات بكونها براغماتية، أكثر تأقلما مع الواقع، و توجهها الدائم لتعزيز الحياة المدنية من خلال تعزيز واقع الوجود على الأرض، فتنشأ الصحف و الجامعات و المراكز الثقافية و النوادي الرياضية، و لذلك تتهم أحيانا بكونها منبطحة أو جبانة، لكن في حقيقة الأمر فهي تؤمن بجدوى العمل المدني و الحقوقي و تعزيز التواجد من خلال خلق مؤسسات مدنية و الارتقاء بجودة حياة المواطن، و قدرته على الحصول على فرص عمل و صحة و تعليم أفضل.

أما المخيم فله طبيعة مختلفة ينتج عنها طبيعة تعاطي مختلفة تماما مع الاحتلال، فالمخيم متراص البنيان، ضيق الشوارع، ذو أزقة لا تتسع لمرور أكثر من شخص، البيوت متلاصقة، أهلها كلهم يعرفون بعضهم، تعيش فيه عائلات ممتدة و ليس أسر صغيرة، و له إحساس مرتفع بالتضامن و التلاحم بين أبناءه، كيف لا و هم يعيشون تقنيا في أحضان بعضهم البعض، يصرخ أب في ابنه، يسمعه كل الجيران، الأبواب مفتوحة عادة و لا تغلق، و الزيارات لا تنتهي بين السكان، و أي فسحة أو مساحة عامة هي بمثابة مركز تجمع و تجمهر، الكل يشارك في نقاشات و أحاديث حول كل شيء، و حول الاحتلال، و ما يزيد من هذه اللحمة كون المخيمات الأولى -خصوصا التي أقامتها الأمم المتحدة- قد أحيطت بسياج، أي أنها معزولة عن الخارج، فتعزز من شعور المخيم بالوحدة الداخلية ضد ما هو في الخارج، ناهيك عن صعوبات الحياة اليومية سواء في ضيق المسكن و سوء خدمات الرعاية الاجتماعية و الصحية و صعوبة الوضع الاقتصادي، طبعا دون أن ننسى أن سكان المخيم قد فقدوا كل ما يملكون خلال النكبة، فقدوا بيوتهم و أراضيهم و أموالهم و ذكرياتهم و أحباء كثر و حتى أوراقهم المهمة مثل شهادات التعليم و إثباتات الهوية، كل هذا يعزز من اندفاع المخيم نحو المواجهة المباشرة، نحو المقاومة الشرسة، كيف لا و هم لا يملكون الكثير ليخسروه، و لذلك تسمى مخيمات اللجوء في فلسطين ب”المعسكر”، و هو توصيف دقيق لحالة المخيم، فهو دائم الحراك و الصخب، و عليه ضغوطات كبيرة، خارجيا من الاحتلال الذي دائما ما يقف على مداخل المخيم ليضيق الخناق على أهل المخيم و يذكرهم بوجوده و لمحاولة السيطرة عليه أمنيا، و هناك ضغوط اجتماعية تولدت خارج المخيم، حيث في أوائل سنين الهجرة، كان ينظر إليهم كلاجئين فقراء، و بسبب كون معظمهم فلاحين، فقد مارست بعض فئات سكان المدن نوعا من التعامل بفوقية معهم -و هذا بدأ في التلاشي مع مرور الوقت-، ناهيك عن الضغط الداخلي الهائل، فالبيوت الصغيرة لم تعد تتحمل أعداد ساكنيها، كثافة سكانية ليس لها مثيل، ما يعني أن الانفجار مسألة وقت لا أكثر، و أن الانفجار سيكون بلا شك في وجه المحتل الذي خلق هذا الواقع البشع.

تجليات شكل المجتمع الفلسطيني

مع انقشاع غبار النكسة 1967، بدأ الحراك الفلسطيني يأخذ أشكالا أكثر جدية، فرغم خوض الفلسطينيين حرب 1948 بجانب الجيوش العربية، و عملهم الفدائي في غزة (فدائيين مصطفى حافظ)، إلا أن الفلسطينيين خرجوا من عباءة العمل العربي إلى العمل الفلسطيني فيما بعد النكسة، و هنا أخذ العمل الفلسطيني شكلين: المقاومة المدنية و المقاومة المسلحة، و قد بدأ أبناء المدن في قيادة العمل المدني، حيث ظهرت شخصيات مثل رشاد الشوا و حيدر عبد الشافي في غزة، و أحمد الشقيري و برهان الدجاني و أبناء عائلة الحسيني في الضفة الغربية و القدس، و قد عملت هذه الشخصيات بشكل حقيقي على استنهاض طاقات المجتمع الفلسطيني من خلال التركيز على التعليم -أسس برهان الدجاني و ترأس دائرة التعليم في الأونروا- و على تطوير الحياة المدنية في فلسطين،  و انخرط بعضهم في أعمال سياسية مثل الشقيري، لكن من أبواب حكومية رسمية و ليس من خلال فصائل المقاومة الفلسطينية، و توال ظهور شخصيات الكفاح الشعبي و المدني الفلسطيني بعد ذلك، مثل حنان عشراوي و صائب عريقات، حيث أكمل هؤلاء مسيرة الحراك الشعبي، و من أهم ما نظموه كان مسألة رفض دفع الضرائب لسلطة الاحتلال مثلا.

على الطرف الآخر، سواء كنا نتحدث عن فلسطين الداخل أو الخارج، فإن أبناء المخيمات هم من قادوا العمل الفدائي الفلسطيني، و لننظر بسرعة لأهم شخصيات الفصائل الفلسطينية، فأهم شخصيات المؤسسة لحركة فتح مثل أبو إياد و أبو جهاد، و كمال عدوان و كلهم لاجئين في غزة بعد هجرتهم إثر النكبة، بل إن أبو مازن و عبد الدنان أيضا لاجئين منذ النكبة، أما مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و هم جورج حبش و وديع حداد هما أيضا لاجئين، و حتى في العهد الأكثر حداثة، فجل مؤسسي و قادة حركة حماس التي ظهرت في الثمانينيات من القرن الماضي، هم أبناء مخيمات قطاع غزة مثل مخيم الشاطئ و جباليا و  خان يونس، و هذا أمر طبيعي و محتوم بناء على البنية الاجتماعية و العمرانية للمخيم.

نتائج الواقع الديمغرافي و العمراني

ما أريد أن أصل إليه أن المخيم -المعسكر- هو مركز نشوء المقاومة المسلحة، و عليه فإن حديث إسرائيل عن موجة تهجير جديدة للفلسطينيين يعني إعادة تجربة النكبة بكل حذافيرها، سواء كان التهجير داخليا -داخل أراضي السلطة الفلسطينية- أو خارجيا -سيناء-، فالمحصلة ستكون عودة العمل المسلح للواجهة من جديد، أي أن القضاء عليها في غزة الآن -إن استطاعت- فلن يكون هذا مستداما، فبيئة التهجير الجماعي ستعود و تصنع مجتمعا منتجا لنهج المقاومة المسلحة، و لذا و كما يقول المثل الشعبي (و كأنك يا أبو زيد، ما غزيت).

الأدهى من ذلك سيكون محاولة أي تهجير في الضفة الغربية التي يتواجد فيها عدد أقل من المخيمات و اللاجئين، فحسب إحصاء للأونروا فمعظم سكان غزة مهاجرين (63%)، أما في الضفة الغربية فهم لا يتعدون ال30%، أي أن معظم التركيبة السكانية هناك هي من أصحاب الأرض الذين لم يهجروا، و عليه فهم يتعاطون أكثر مع الاحتلال بالطريقة الأولى التي ذكرتها في الأعلى، المقاومة الشعبية المدنية، و يضاف إليه نجاح إسرائيل من خلال المستوطنات و الحواجز  العسكرية في تفتيت الضفة الغربية لمناطق متفرقة ذات كثافة سكانية منخفضة، و قد ساعدتهم طبيعة الضفة الغربية من ناحية المساحة و التضاريس، فالضفة الغربية أكبر من قطاع غزة حوالي ال15 مرة، في حين أن عدد سكانها أكثر بقليل من عدد سكان غزة، و تشكل الجبال و التضاريس الصعبة حاجزا طبيعيا بين مدنها، ناهيك عن الحواجز الإسرائيلية، فالمدهش أن أكبر مدن الضفة الغربية و هي الخليل، عدد سكانها 200 ألف فقط، لذلك فقد نجحت إسرائيل لأسباب يطول شرحها في تحييد خطر الكثافة السكانية في الضفة الغربية بشكل كبير، و لكن إقدام إسرائيل على أي تهجير يعني خلق فرص أكبر لتصاعد العمل المسلح ضدهم في ظروف البيئة التي يمكن للهجرة تكوينها -بكل تأكيد فالبيئة ليست العامل الوحيد لأشكال المقاومة، لكنها تبقى عاملا مهما للغاية-.

كثافة غزة السكانية

غزة تبقى المشكلة السكانية الأكثر تأزما، فمع مساحة صغيرة للغاية، و مجتمع في معظمه من أبناء الهجرة، و عدد كبير لمخيمات مكتظة، فإن الوضع سيبقى متأزما، لكن تجدر الإشارة أن غزة شهدت مؤخرا تحولات مهمة على البنية العمرانية و الاجتماعية، فمع انتشار مدارس وكالة الغوث، و اهتمام أبناء المخيمات بالتعليم إدراكا بأهمية التعليم على صعيد النضال الوطني، و على صعيد تحسين أوضاعهم المادية، و تسلق سلم الطبقية الاجتماعية، فقد بدأ في الظهور منذ التسعينيات الأثر الكبير على المجتمع الغزي، ففي حين بقي أبناء مدن غزة مثل جباليا و بيت لاهيا منكبين على زراعة أراضيهم و العمل في التجارة، فقد أضحى ابن المخيم أكثر تعليما و عليه فقد تبوأ الكثير منهم مناصب عليا، و بدأ الكثير من أبناء المخيم يسكنون مدن غزة، بل و عمروا الكثير من المناطق الخالية مثل منطقة الزهراء و تل الهوى، ناهيك عن عودة الفصائل مع إنشاء السلطة الفلسطينية في التسعينات، ما عنى أن قادة الفصائل –و جلهم أبناء مخيمات- أصبحوا في أعلى الهرم الاجتماعي، و كل ذلك ساهم رويدا رويدا في  كسر حدة ضغط المخيم، بل و بدأ شكل المخيم يتغير تدريجيا، فتحسنت فيه الكثير من الخدمات و المرافق، و ظهرت أسواق و بعض الشوارع الكبيرة نسبيا، و على الأرض بدأ الوجه الجديد للمجتمع في الظهور، فركز المجتمع الجديد على تأسيس الجامعات و المراكز الثقافية، و المرافق الترفيهية، و انتشرت المنتجعات و الفنادق في غزة، فقد أصبح لها جمهور و زوار، و بدأ شكل القطاع الحديث في الظهور، و ظهر في غزة المؤثرين الاجتماعيين الذين يؤمنون بالمقاومة عن طريق الكلمة و الإعلام، على كل حال، فغزة قبل الحرب بدأت تكشف عن وجه أكثر دبلوماسية و حداثة.

لكن و مع تكرار الحروب في غزة، يعود الوضع سنوات للخلف، فإسرائيل تدمر المرافق و الخدمات التي تم بنائها حديثا، و تدمر الطرق المعبدة، و تركز في استهدافها على المخيمات، و تقتل من أبناءه الكثير، ما يعني أن كل خطوة في اتجاه تمدين المخيمات، يعود للصفر بعد كل جولة حرب، و في هذه الحرب بالذات فقد استهدفت إسرائيل المخيمات بشكل بشع، بل و طال التدمير المدن الحديثة التي بناها أولاد المخيمات مثل الزهراء و تل الهوى، و عليه فإن إسرائيل ستعيد تشكيل الأجواء التي رافقت نكبة 1948، و التي بدأت في الاختفاء كما ذكرت من خلال تطوير المخيم و مرافق الصحة و التعليم، و لذا فإني أطرح تساؤلا مهما: ألا تعي إسرائيل بكل ما سبق؟ أم أنها معنية ببقاء هذه الأوضاع البائسة و التي لن تنتج إلا مقاومة أكثر و أشرس، و قد يغذي هذا الرأي أن إسرائيل تحتاج حروبا كل فترة لكي توحد من صفوفها، و ترفع من جهوزية جيشها.

على أي حال فهذا الوضع الكارثي، بل و فكرة خلق تهجير جديد، و الذي سيحدث بلا شك في داخل القطاع نفسه، حيث أن عدد النازحين يفوق ال700 ألف، و يقال أن 45% من كل بيوت غزة قد دمرت، سيعود بالمجتمع لسنوات الهجرة الأولى، سيظهر لاجئين و نازحين، ستظهر مخيمات لجوء للنازحين، سيظهر أطفال مولودين داخل هذه المخيمات الجديدة، سيظهر العديد من الناس الذين فقدوا العديد من أحبتهم، و ستظهر الرغبة في الانتقام، و قد يخفف من وطأة هذا، تدخل عاجل و كبير و مكثف لإعادة إعمار غزة، لذا فمن المهم العمل الجاد على التحضير لإعادة إعمار غزة، و رفع الحصار و رفع الظلم عنها، لكي تستطيع أن تبني نموذجا أكثر مدنية، هذا إن كانت هناك أي نية حقيقية في مساعدة غزة، و ليس جعلها حقل تجارب لأسلحة إسرائيل.

و حتى تنتهي هذه الحرب الهمجية، التي يشارك فيها الجميع بسكوته، و حتى تظهر النتائج النهائية للحرب، فالواقع يقول أن إسرائيل المتأزمة من شكل المجتمع الفلسطيني في غزة، فهي إنما تعيد تشكيل نفس الإشكالية بصورة أكثر فداحة، و ستدفع ثمن ذلك مستقبلا بلا شك، و سيظهر لها جورج حبش و أبو جهاد و أبو إياد جدد من براثن الركام الذي صنعته.

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

مؤلف: أحمد الشنطي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *