غزة حلبة منافسة عند الكبار في الأمم المتحدة


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

منذ أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وغزة حاضرة في كل تفاصيل الأمم المتحدة. مجلس الأمن عقد اجتماعين مغلقين للمشاورات وخمسة اجتماعات مفتوحة، من بينها اجتماع على مستوى وزاري عقد يوم الثلاثاء 24 تشرين الأول/أكتوبر الذي هو يوم الأمم المتحدة إذ بلغ عمرها 78 عاما وهو لا شك سن الشيخوخة وبطء الحركة وتشتت الأفكار وقلة المريدين والأصدقاء المخلصين وكثرة الأخطاء وظهور علامات الهرم والوهن واشتعال الرأس بالشيب. وهذا كله ثبت بالدليل القاطع في معالجة حرب الإبادة والعقوبات الجماعية على شعب محاصر مجوع منهك ظلمه البعيد والقريب والجار وابن العم والأخ في الدين والعروبة. ولذلك وقفت غزة وحيدة تناضل بدمها وأشلاء أطفالها وصراخ الثكالى والأرامل والأيتام، فلا تجد من أبناء الديرة من يدافع عنها ويرفع صور أطفالها كما فعل مندوب عصابة الإجرام الممثل الشرعي لكل ما أنجزته «الحضارة الغربية» من شرور.
تلك الجلسة التي عقدت على مستوى وزاري واستمع فيها المجلس إلى 89 خطابا، كان أفضلها كلمة الأمين العام لأنه «بق البحصة» كما يقول أهلنا في الشام. نطق الكلمة الخطيرة في وجه مجرم الحرب المستوطن برتبة سفير، جلعاد أردان، عندما قال إن ما جرى يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر لم يأت من فراغ وراح يفسر معنى أن تكون تحت الاحتلال لمدة 56 عاما.
استمرت في الأمم المتحدة حرب الكلمات والبيانات واللقاءات الصحافية. لقد أصبحت غزة مركز الكون وعاصمة الدنيا «وقاهرة الزمان». صراخها وصمودها وأشلاء أطفالها همش كل القضايا وأولها حرب أوكرانيا التي لم يعد يسمع بها أحد. لقد أدركت أمريكا وقطيع النعاج الذي تقوده أن خسارة القاعدة العسكرية المتقدمة في الشرق الأوسط وخسارة الحرب في أوكرانيا ستعيدان أمريكا إلى حجمها الحقيقي وتبدأ مرحلة الانهيار نحو الهاوية ما يذكرنا بالهاوية التي تدحرج إليها من علُ الاتحاد السوفييتي. ولهذا هرعوا بكل أسلحتهم وأساطيلهم لحماية القلعة من شبيبة غزة.
تم التصويت على أربعة مشاريع قرار كلها فشلت: مشروع قرار من البرازيل أطاح به الفيتو الأمريكي ومشروعي قرار قدمتهما روسيا ولم يحصل أي منهما على الحد الأدنى المطلوب لاعتماده بسبب التكتل المعادي لروسيا داخل مجلس الأمن، ومشروع قرار أمريكي أطاح به فيتو مزدوج روسي صيني. ثم انتقل الموضوع إلى الجمعية العامة والتي استمعت إلى 105 خطابات على مدى يومين ثم صوتت على مشروع قرار عربي بسيط يدعو لهدنة فورا والعمل على إيصال المساعدات الإنسانية ووقف إخلاء الفلسطينيين من بيوتهم وطردهم داخل غزة أو خارجها.
المهم أن كل هذا السيل الجارف من الاجتماعات والكلمات والخطابات لم يفك أزمة غزة وبقيت تتعرض لقصف متواصل ليل نهار ليرتفع عدد الشهداء والجرحى ساعة بعد ساعة، وصل في يوم واحد إلى 705 شهداء من بينهم 300 طفل. وما زالت غزة بدون ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا غذاء ولا محروقات. وما زالت الخطب تلقى والبيانات تصدر تطالب وتحذر وتناشد ولكن كلها «تنفخ في رماد».
غزة تحولت إلى موضوع مناكفات ومزايدات ونفاق دولي لا حدود له في الأمم المتحدة. فمشروع القرار الروسي الثاني الذي عرض للتصويت يوم الخميس 26 تشرين الأول/أكتوبر كان متوازنا وحظي بدعم المجموعة العربية بعد التشاور. وكان بسيطا يضم فقرة حول وقف إطلاق النار وأخرى حول المساعدات الإنسانية وإلغاء قرار الإخلاء وإدانة استهداف المدنيين. لكن الدول الغربية ومعها ثلة من الدول التي تدور في الفلك الأمريكي ومتحمسة للموقف الإسرائيلي أكثر من إسرائيل نفسها مثل ألبانيا وكينيا وإكوادور وقفت ضده ولم يحصل إلا على أربعة أصوات إيجابية هي روسيا والصين والإمارات وغابون فقط. ليس لأنه غير متوازن بل مناكفة في روسيا. والضحية دائما غزة.
أما مشروع القرار الأمريكي فهو التضحية بكل غزة من أجل عيون نتنياهو. فما معنى ألا يكون هناك وقف إطلاق النار وكيف للمساعدات الإنسانية أن تصل إلى غزة وتوزع على 2.3 مليون إنسان بدون وقف إطلاق نار، فقد أطاح به الفيتو الروسي الصيني المزدوج رغم اصطفاف عشر دول مع مشروع القرار.

خطابات النفاق والتزوير

كمية النفاق والكذب لدى بعض الدول كشفته غزه وعرّت دعاة حقوق الإنسان وسيادة القانون وحرية الرأي والتعبير والتجمع. أي نفاق أكبر من التأكيد على «حق إسرائيل بالدفاع عن النفس» ضد من؟ ضد من يرفض الاحتلال ويرفض السجن الكبير ويرفض الاستيطان ويرفض اقتحامات البيوت وتدنيس المساجد والكنائس. إسرائيل الدولة النووية التي تملك قوة جوية تزيد عن 360 طائرة مقاتلة من آخر ما أنتجت الترسانة الأمريكية عدا الطائرات العمودية والدبابات والمدرعات والغواصات والطائرات المسيرة والقبب الحديدية والأسلحة المتطورة وأجهزة الاستخبارات والتجسس، تريد الحماية من 1500 مقاتل. هذا دليل واضح صارخ على أن صاحب الحق هو القوي بإيمانه بعدالة قضيته وأما اللص فهو جبان ورعديد لأنه يعرف أنه لص.
تقاطر الأوروبيون بلا استثناء وكأنهم تخرجوا جميعا على أيدي جابوتنسكي وبيغن ونتنياهو: إدانة العملية الإرهابية، حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، إطلاق سراح الرهائن بدون قيد ولا شرط ولا لوقف إطلاق النار ثم بكل وقاحة ينهون الخطاب بتأييد حل الدولتين.
إذن عجز مجلس الأمن، الجهاز الأهم في المنظومة الدولية، والمكلف بموضوع الأمن والسلم الدوليين، من القيام بالتزاماته التي ينص عليها الميثاق بسبب موقف دولة واحدة تشكل مظلة حماية للكيان الصهيوني وتريد أن تعطيه فرصة أطول للانتقام والثأر وتدمير قطاع غزة على من فيه الصغير قبل الكبير. ولكن اسمع بعض تصريحات تلك الدول التي تحاول أن تعطي فرصة أطول للكيان ليرتكب مزيدا من المجازر: وزير الخارجية الأمريكي يقول أمام المجلس يوم الثلاثاء: «يجب حماية المدنيين الفلسطينيين، ويجب على حماس أن تتوقف عن استخدامهم كدروع بشرية. ويجب أن يتدفق الغذاء والدواء والمياه إلى غزة، ويجب أن تؤخذ في الاعتبار الهدنة الإنسانية». منذ خطابه يوم الثلاثاء ووقت كتابة هذا المقال الجمعة سقط أكثر من 3000 ضحية معظمهم نساء وأطفال فلماذا لم يتم حماية المدنيين. وهل تدفق الماء والغذاء والدواء. وهل أخذ بعين الاعتبار الهدنة الإنسانية؟ إنها الاستراتيجية نفسها «يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب.»
أضطرت الوفود العربية أن تأخذ المسألة إلى الجمعية العامة للاستماع إلى مزيد من الخطابات والنفاق والكذب يلقيه مندوبو الدول الداعمة للعدوان. هل من كذبة أكبر من قول ممثل كيان القهر والاغتصاب، جلعاد أردان بكل وقاحة أمام ممثلي 193 دولة «إن بلدنا المنضبط للقانون لا يشن حربا على الشعب الفلسطيني بل على النازيين الجديد». وكأن الطائرات المقاتلة ترمي فوق أطفال جباليا ورفح وخانيونس الشيكولاته والبسكويت أو أن 2913 طفلا و 1709 نساء الذين قضوا لغاية صباح الجمعة ليسوا فلسطينيين. أي صلف ورعونة أكثر من هذا الكذب؟
لقد اعتمدت الجمعية العامة في دورتها الاستثنائية الخاصة عصر الجمعة قرارا يدعو إلى هدنة إنسانية فورا تنتهي بوقف الأعمال العدائية وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية. اعتمد القرار بغالبية 120 صوتا وصوت ضده فقط 14 دولة. صفقت القاعة طويلا لفوز المشروع العربي وفشل التعديل الكندي لإقحام حماس في مشروع قرار إنساني. فرح المندوبون العرب والدول المؤيدة واحتفلوا بهذا القرار الذي هو عبارة عن توصية ذات وزن معنوي كبير لكن لا يرقى إلى مستوى القانون الدولي الملزم. لكن طائرات الموت ستكثف من غاراتها الجوية على أطفال ونساء وشيوخ ومستشفيات غزة كما فعلت أثناء مؤتمر قمة السيسي الذي سماه «قمة القاهرة للسلام» ودفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا لمجرد عقد الاجتماع. فيا ليتكم تعفون أهل غزة من هذه الاجتماعات.

عن القدس العربي

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

مؤلف: عبد الحميد صيام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *