غزة تشق الكابنيت… أزمة الحكم في إسرائيل


في جلسة المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر (الكابنيت) يوم 22 نيسان/ابريل، هدد رئيس حزب الصهيونية الدينية الوزير سموتريتش بالعمل على تنحية رئيس الاركان واستبداله بآخر يطبق سياسة الحكومة بصدد غزة. فيما اعلن رئيس الاركان الاسرائيلي ايال زمير بأنه “لن تكون سياسة تجويع في غزة، مؤكدا القيام بكل الخطوات لمنع وصول المساعدات لايدي حماس، وبأن الجيش لن يقوم بتوزيع الغذاء للفلسطينيين”. كما اشار زمير الى موقف الجيش القائل بأن “هناك الكثير مما ينبغي فعله قبل الانتقال الى الاجتياح االبري المكثف الذي يتطلب عدة فرق عسكرية (عشرات الاف الجنود)، في حين اشار سموتريتش لاحقا الى ان انتقاداته موجهة ضد نتنياهو الذي لا يعلن عن احتلال قطاع غزة بالكامل. فيما تفيد المعطيات الرسمية الى اتساع مظاهر عدم امتثال جنود الاحتياط لاستدعاءاتهم للخدمة وذلك بنسبة تصل الى النصف. كما ويهدد حزب يهود التوراة (7 مقاعد) مدعوما بفتاوى مرجعياته الدينية، باسقاط الحكومة في حال اعتقال اي طالب توراة لرفضه المثول للخدمة العسكرية. معظم الجدل يدور في سياق حرمان الفلسطينيين في القطاع من دخول أية مساعدات منذ نحو الشهرين.
فعليا، بلغ اقصى اليمين مستوى غير مسبوق من الثقة بالنفس وحسم الامور واستسهال ممارسة كل ما يحلو له اسرائيليا في خدمة عقيدته وسهامها القاتلة الموجهة للفلسطينيين. وإن كان هذا الوزير الذي يمسك بأهم الوزارات (المالية ووزيرا في وزراة الامن المسؤول عن الادارة المدنية الاحتلالية والاستيطان) بينما يواجه حزبه خطر السقوط في الانتخابات القادمة ووفقا للاستطلاعات، فإنه كما نتنياهو يسعى للبقاء في الحكم وكي يبقى اليمين في الحكم ويحتاج الى “الحرب المفتوحة” عقائديا وحزبيا.
قبل اسابيع معدودة اشاد سموتريتش وبن غفير برئيس الاركان ايال زمير باعتباره “رئيس اركان منتصر” ومفهوم الانتصار هو ان يطبق سياسات حكومة اقصى اليمين ويكون مواليا لها عقائديا بخلاف سلفه هرتسي هليفي الذي شن نتنياهو وحلفاؤه ضد حملة متواصلة لنزع الشرعية وتحميله مسؤولية اخفاق 7 اكتوبر. بمضيّ اسابيع يهدد سموتريتش رئيس الاركان باستبداله بآخر يقوم يتجويع غزة وفي السيطرة عسكريا على مسالة توزيع “المساعدات الانسانية” ووفقا للوزير اللا-مساعدات. هذا مع العلم ان الوزير المسؤول عن رئيس الاركان هو وزير الامن والحكومة برئاسة نتنياهو.
يعني اعلان زمير رفض الجيش لمبدأ الحكم العسكري في قطاع غزة. لم يصرح نتنياهو عن موقفه في جلسة الكابنيت وأعلن الانتهاء من السماع الى وجهات النظر المختلفة ورفع الجلسة على ان يتم التصويت خلال أيام في الجلسة القادمة. واذ هدد سموتريتش بإسقاط الحكومة فيما لم يقرر نتنياهو احتلال كامل قطاع غزة، فيبدو ان مثل هذا التهديد المكرر لن يتحقق.
يسعى نتنياهو مؤخرا الى الاقلال من التصريحات الاستفززية ذات الصلة بالصفقة وبالملف الايراني والنووي السعودي لاغراض سلمية والملف السوري، بل الى اعتماد شخصية “القائد الوازن”، وذلك ضمن هدف آني وهو تجاوز مسبق لمخرجات متوقعة من زيارة ترامب الى السعودية والخليج وقد يكون الى تركيا. كما انه وفقا لتقديرات اسرائيلية معني بألا يصدر عن ترامب اي تصريح لا يتماشى مع سياسته، وألا يتخذ اية خطوة تتجاوز ما يستطيع نتنياهو ان يحتمله دون تعريض ائتلافه الحاكم للسقوط.
يوجد توجهان في الكابنيت الاسرائيلي؛ واحد يميل الى اعتبار التصعيد الحربي المكثف الحالي ضد المدنيين في غزة واقتطاع أراضٍ بعد رفض اسرائيل الانتقال الى المرحلة الثانية من الصفقة ووقف الحرب بأنه تكتيك تفاوضي من اجل تشكيل اكبر ضغط عسكري ممكن لالزام حماس بالاذعان للشروط الاسرائيلية وهو توجه نتنياهو ووزير الحرب كاتس والخارجية ساعر؛ بينما يحزم التوجه الاخر والذي يمثله سموتريتش وبن غفير ووزراء مركزيين في الليكود بمن فيهم القائم باعمال رئيس الحكومة وزير القضاء ليفين، والقائم على مواصلة الحرب واعتبار مواصلتها هدفا يفوق اولوية الصفقة كما صرح سموتريتش، بل الهدف هو السيطرة على كامل القطاع وتهجير سكانه.
تشكل تصريحات سموتريتش يوم 20/4/2025 التي واجه فيها عائلات الاسرى والمحتجزين لسان حال نتنياهو ايضا، إذ أكد لهم بأن الصفقة ليست الاولوية مقابل استمرار الحرب واستدامة احتلال القطاع بأكمله، و”الحسم واخضاع العدو”. فعليا لا يشكل سموتريتش معارضة لنتنياهو بل يناور سياسيا بشكل يستفيد هو منه حزبيا ويستفيد نتنياهو من صوته كما من صوت بن غفير سعيا للايهام بأنه يمثل الموقف الوسط والوازن داخليا وبالاساس خارجيا سعيا امام مناورات سياسية تضيق مساحاتها. الا ان سموتريتش يكتشف أن نتنياهو قد خدعه بإخفاء موقفه عنه بكونه يعارض احتلال كامل القطاع والحكم العسكري فيه وذلك تماشيا مع تقديرات الجيش والمؤسسة الامنية. كما تشير تصريحات سموتريتش “الغاضبة” الى تفاهمات بين نتنياهو وزمير في هذا الشأن.
في المقابل يتصاعد الصراع المكشوف بين تيار الصهيونية الدينية والتيار الديني الحريدي. وإذ يعتبر سموتريتش ان الحرديم وحصريا حزب يهود التوراة آيل الى الاضمحلال والاختفاء، فإن يهود التوراة يهددون نتنياهو مباشرة باسقاط الحكومة. يقوم الصراع المتصاعد على مسألتين؛ الاولى وهي قانون تجنيد الحرديم للجيش وقرار المحكمة العليا بإنفاذ القانون، وباعتبار الجيش يعاني من ازمة مجنَّدين، والثانية بصدد الصفقة اذ يؤمن حزبا الحرديم بأولوية الصفقة وعقيدة “فداء الأسرى” الدينية. هذا الصراع قد يهدد تماسك الائتلاف، مع الاخذ بالحسبان موقف الادارة الامريكية بأولوية الصفقة وانهاء الحرب قريبا دون تحديد موعد.
في الخلاصة؛ يدلل الجدل في المؤسسة الحاكمة على حالة ضياع استراتيجي اسرائيلي في غزة، وفيما يتعلق بمصير القطاع، لتغدو مواصلة الحرب بديلا عن مخرج استراتيجي منها، وهذا يجعلها اكثر فتكا تجاه الفلسطينيين ويحوّلها الى احتلال مستدام. فيما ان الصراع العلني في الكابنيت مع رئيس الاركان الاسرائيلي زمير، وتحدي الاخير لوزراء في الليكود والصهيونية الدينية، من شأنه ان يعزز حراك عائلات الاسرى والمحتجزين. كما يتضح بأن حراك الضباط الاسرائيليين من اجل اتمام الصفقة وانهاء الحرب باعتبارها “سياسية وشخصية” هو حراك مؤثر على السياسات.
تبدو الحملة التي يقودها سموتريتش صراعا على البقاء السياسي له شخصيا ولحزبه الذي تظهر فيه اصوات تعارض بحزم نهجه الصدامي مع اجزاء واسعة من المجتمع اليهودي. كما انه يدرك بأن مثل هذه الازمات يتم حلها بالتراضي مع نتنياهو وبالحصول على المزيد من السيطرة في الضفة الغربية. في المقابل فالموقف الحازم من الحرديم ضد التجنيد وتهديدهم باسقاط الحكومة خاصة وأنهم حصلوا على مطالبهم ضمن ميزانية الدولة التي أقرها الكنيسن نهاية اذار الماضي، هو تهديد حقيقي لدى اوساط حريدية وليس إجماعا، ومن المتوقع ان يسعى نتنياهو للمناورة في هذا الصدد، ولا يبدو انهم بصدد اسقاط الحكومة حاليا وقد يكتفون بتعطيل عملها.
في كل الطيف السياسي الحاكم اسرائيليا وفي المعارضة الرسمية لا يوجد اي اكتراث لجرائم الحرب الكبرى التي ترتكب تجاه الفلسطينيين في غزة. كما لا يبدو ان هناك عاملا يدفع الى تغيير سياسي اسرائيلي سوى اتمام الصفقة وانهاء الحرب على غزة، وهذا يصبح ممكنا اذا ما كان الموقف الامريكي حازما تجاه تل ابيب ويبدو ان امتحان ذلك ستحدده زيارة ترامب للسعودية.
عن مركز تقدم للسياسات