عن مؤامرة نظريّة المؤامرة
لنعود الى حلم الحريّة لا الى كابوس قمعهِ
لو اعتقلت دولة الاحتلال المناضلين الفلسطينيين لقلنا انه انتقام من نضالاتهم ضد الاحتلال. ومعظمهم تعرضوا فعلاً لملاحقات وتحقيقات واعتقالات الاحتلال. مثل هكذا اعتقالات كان من شأنها ان تعزز مناعة الشعب وتشكل حالة معنوية بعكس ما يراد لها. في المقابل، حين تمعن قوات أمن السلطة الفلسطينية في اعتقال المناضلين المعارضين لنهجها، وتقتل احدهم تحت التعذيب، فإنها في فعلتها تكون مبعث إحباط للشعب ولنضالاته، وتنسف أمل التحرير.
الحملة المكثفة والواسعة المتمثلة بالاعتقالات، تؤكد وجود سياسة مخطط لها، ومصالح متضاربة لدى قوى متنفّذة في السلطة. قد تعكس الصراعات القيادية داخل تنظيم فتح الحاكم تحت الاحتلال، إلا أن تدفيع المعارضة السياسية المناضلة ثمن ذلك هو جريمة بحق الشهب الفلسطيني. مهما كانت مشاكل حركة فتح كما كل تنظيم هي مسؤوليتها الداخلية وهي نتاج وضعها لا وضع غيرها.
الوضع الراهن ينذر بالقضاء على جوهر ما حققه شعبنا في مسيرته الكفاحية الطويلة، وبالذات خلال هبّة الكرامة الاخيرة التي فتحت آفاق الأمل باستعادة الشعب لعافيته والحالة الفلسطينية لزخمها، بل من شأن حملة القمع القضاء على بوادر تجدد الحلم والامل الحقيقي الذي تراكم بفعل الشعب وتضحياته.
التلويح بنظرية المؤامرة لتبرير الاعتقالات لا يخرج من إطار المؤامرة بل هو مؤامرة بحد ذاتها. إن غياب معارضة منظمة وبديل حقيقي تعددي ودمقراطي ومتنوّر وصاحب مشروع سياسي تحرري، وتضاف إليه الفجوة بين النخب وعموم الشعب هو مسألة خطيرة ومنفذ لممارسات الملاحقات والاعتقالات السياسية المدانة والتي لا يمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال.
إنّ تغييب مشروع التحرر الوطني الفلسطيني، يجعل الحالة الفلسطينية برمتها رهينة لمزاج قيادي تحدده الصراعات الداخلية، وليس الحديث عن الانقسام الذي بات واقعا بائساً أعاد انتاج نفسه ونخبه الفلسطينينة والاقليمية، ولا تملك القوى السياسية القدرة على تجاوزه، هذا في حال كانت معنية بذلك. بتنا في وضع تقوم به دولة الاحتلال بمجزرة يومية في انحاء الضفة الغربية، بينما نحن نقمع بعضنا بعضاً!!
تعلمنا تجارب حركات التحرر الوطني ان الكثير منها تحوّلت بعد التحرر من الاستعمار من حركة الشعب الى مؤسسة حاكمة فاسدة قمعية، بينما ما تؤكده الحالة الفلسطينية الهشّة هو أنّنا بلغنا جوانب من هذه الحالة دونما التحرر الوطني، بل في ظل تقهقر روح التحرر الوطني التي لازمت المشروع الفلسطيني الحديث منذ انطلاقته. كما تعلمنا تجارب حركات التحرر الوطني أنه من دون اطلاق العنان للحريات الدمقراطية والتعددية الأوسع السياسية والاجتماعية سيبقى التحرر الوطني مبتورا ومنقوصا. التحرر الوطني هو مشروع الشعب، كل الشعب، ولن يتحقق غير ذلك.
المتوخى من رأس الهرم القيادي الفلسطيني من الرئيس محمود عباس ان يحسم هذا الامر وينهي حالة الاحتقان الخانقة، وأن لا يورث شعبنا ثقافة القمع والقهر، ولا تزال مفاتيح الحل في يديه إن اراد ذلك. وحالياً، هذه فرصته الاهم في نظرة الى المستقبل.
مطلوب الاعتذار رسمياً عن مقتل نزار بنات ومحاكمة المسؤولين، ومطلوب المبادرات لحوار وطني حول المشروع التحرري الفلسطيني وكيفية الاستفادة من هبة الكرامة وانطلاق الشعب في كافة اماكن تواجده، ومطلوب قبل أي شيء آخر اطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، ووقف حملة التنكيل بإرادة الشعب وبانجازاته وبحلم التحرير.