عن كتابي ” الصعود إلى الناصرة “

أنا وصالح عباسي وربعي المدهون
في “مطعم فتّوش”، في شارع أبو نوّاس في حيفا، التقى فلسطينيّان”: “عائد إلى الوطن” و”باق في الوطن”، على صحن فتوش وكـأسين، وصوت “كوكب الشرق” أم كلثوم، الذي يصدح، عادة، في أمسيات المطاعم والمقاهي العربية في الشارع، إلى أن يغادر الساهرون. وهناك قرّرا معًا، جمع النصوص في كتاب.
للمشروع يرفع الصديقان كأسين:
في “صحة فتوش”
في “صحّة حيفا”
“في صحة الفكرة” في زمن “الصعود إلى الناصرة”
عدت إلى السويد ، وغرقت في كسلها الأشقر ، ولم انجز ما اتفقنا عليه ، فحرض صالح صديقي المزمن ربعي المدهون لجمع النصوص في دفتي كتاب وبالفعل اتصل بي ربعي من اسبانيا ، واشتغلنا معا عبر البريد على انجاز الكتاب بين السويد واسبانيا ، وهذا الذي كان .
تربطني بـ ربعي المدهون صداقة عمرها أكثر من نصف قرن من الزمان عملنا معا من بيروت إلى قبرص ، إلى ان فرقتنا المنافي بين السويد وبريطانيا قبل ان يتقاعد ربعي في بلاد الأندلس .
واترك لصديقي ربعي بعض فقرات من تقديمه لكتابي ” الصعود إلى الناصرة ” فهو ” القابلة ” التي اخرجت الكتاب إلى النور :
في “الصعود إلى الناصرة”، نتابع رحلة بدأها خالد عيسى من “نهايات” الغربة، التي سبقت العودة الأولى إلى الوطن، إلى حين العودة من العودة. نعيش مفارقات خلقتها الصدفة المحضة بين صبيّة فلسطينية تحمل جواز سفر إسرائيليًا، جاءت إلى مطار كوبنهاغن ضمن مجموعة سياحيّة، وفلسطيني سويدي يغادر، من المطار نفسه، منفاه البارد عائدُا إلى الوطن. يربك سؤال طرحته الصبية: “إسّا (الآن) وين رايحين؟” أذن الكاتب، إذ تخترق مفردة في اللهجة الفلسطينية كل العبارات العبرية التي تناثرت في المكان، وتصل إليه. توحّد المفردة “إسا” بين فلسطينيين و”تفضح” هويّتهما.

يتجوّل بنا خالد عيسى في الناصرة، “التي توزّع الصباح على البيوت كل يوم.” ونشرب قهوة مع ريم بنا في بيتها، في فناجين تتزنّر خواصرها بأسماء مدن البلاد. نزور القائد السياسي الفلسطيني، محمد بركة، رئيس “لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل”. ونلتقي في سخنين، القائد الشاب أيمن عودة، الأمين العام لـ”الجبهة الديمقراطيّة للسلام والمساواة”، ورئيس “القائمة المشتركة”. ونستعيد في حيفا، ذكرى ابنة صياد السمك الريّس عطية، المحامية الراحلة نائلة، التي كان صوتها في المحاكم الإسرائيلية ينقذ عشرات المعتقلين الفلسطينيين الشباب. حيفا التي قلت إنها “جنّنت ثلاثة أرباع الفلسطينيين”، تجعل خالد من بين هذا الثلث المصاب بجنونها. لم يقتنع بما كان يراه الراحل غسان كنفاني، وهما يقفان على هضبة في عرمون اللبنانية، من تشابه لبيروت،ولو قليل، مع إطلالة الكرمل على حيفا. فمن له كرمل لا يخشى منافسة أجمل المدن.
في القدس، أسيرة “سوء التفاهم بين الأرض والسماء.” نتمشى في المدينة المفروشة أرضها بنساء محمّلات بشتلات الريحان، والنعناع، والميرمية، وورق الدولي.
نذهب إلى مجد الكروم. نزور يافا. نتوقف كثيرًا في الشجرة، مسقط رأس الوالد. ثم نمضي إلى صفد وطبرية، ونمارس سحر المشي على سطح مياه بحيرتها. وحين ننتقل إلى رام الله “الدولة”، تحيّرنا المدينة الحائرة التي تركت عصمتها في يد غيرها.
وفي نص مذهل فريد، يقدّم الكاتب صورة بانورامية لغزة لا يبلغ حوافها نص “غزّاوي” آخر.
في هذا الكتاب، “يحسد” خالد عيسى الباقين في البلاد على بقائهم. يحسدهم على هويّة تنطوي على أسماء البشر، والشوارع، والنباتات، والأشجار، والمدن، والبلدات، والقرى، والمأكولات، والحجارة، تساقطت كلها من هوية المنفي إلى ذاكرته عن “وطن شفوي”. فيحتفي بعد عودته، بحجر من قريته أهدي إليه وقد نقشت عليه صور رحلته.