عن رعب نتنياهو من فقدان حكمه وإرثه
تتمثّل واحدة من القناعات الآخذة بالرسوخ في إسرائيل في الآونة الأخيرة في أن الحرب على قطاع غزّة بموازاة القصف المتبادل مع حزب الله في الجبهة الشمالية مع لبنان هما بمثابة أصعب حرب استنزاف عرفتها إسرائيل في تاريخها، من دون أن يظهر أيّ حسمٍ في الأفق، بجانب قناعة أخرى مؤدّاها أن من غير المُجدي التذكير بوعود رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بشأن “النصر المطلق”، كون الواقع الحقيقي، على المستوى الميداني في الأقل، واضحٌ أمام كل من له عينان، وبوسعه أن يحجّم هذه الوعود. وبالرغم من ذلك، ما زال نتنياهو راغباً في إطالة أمد الحرب، وممتنعاً عن التوصل إلى أيّ تسوية سياسية بشأن “اليوم التالي للحرب”. ومثلما أجمل ذلك المحلل العسكري لصحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، لا يوجد في الأجواء العامة أي سبب كي يقبل الجمهور الإسرائيلي مواعظ السياسيين الذين يشرحون له أنه يجب عليه أن يكون متباهياً في ذكرى “الاستقلال” هذا العام التي صادفت أمس الثلاثاء، فهذا العام كان الأكثر صعوبةً وكآبةً في تاريخ إسرائيل. وبناء عليه، لا ينبغي للجمهور الإسرائيلي سوى أن يشعر بالحزن، ويطالب بالتغيير.
ولا يجد جلّ المحللين سببًا وجيهًا لموقف نتنياهو هذا سوى النازع الشخصي الذي يختصر علينا فهم وقائع كثيرة مرتبطة بالحرب وسيرها ونتائجها، ناهيك عن أن من الصعب على نتنياهو أن يبدي مرونةً في مواقفه، في ضوء معارضة شركائه من اليمين المتطرّف لذلك، وتهديدهم بإسقاط حكومته. ومع أن طلب هؤلاء في “الكابينيت الأمني” الأسبوع الماضي اتخاذ قرار يمنع استئناف محادثات صفقة التبادل رُفض، إلا إن هامش المرونة السياسية المُتاح لنتنياهو ظلّ ضئيلًا.
ووفقًا لآخر ما ظهر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن التساؤلات بشأن سياسة نتنياهو مع دمغها بأنها مُغرضة وموبوءة بالنازع الشخصي، بدأت تتسلّل حتى داخل أوساط مؤيدي استمرار العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي في القطاع. كما يمكن استشعارها من خلال تصاعُد قلق عائلات جنود يشارك أبناؤها في العملية العسكرية في رفح، وفي الاقتحامات في كل من جباليا وحي الزيتون. وذكرت تقارير متطابقة أن منظمّات لأهالي جنود بدأت في هذه الأيام بتوقيع عرائض ضد استمرار الحرب، والمطالبة بصفقةٍ سريعةٍ لإطلاق المخطوفين، على الرغم من أن فرصها مشكوك فيها. وحتى اللحظة، لا توجد مظاهر صارخة لرفض الخدمة العسكرية، ولكن استمرار الحرب والشكوك الكبيرة في السياسة والاعتبارات التي توجّهها، يمكن أن تقود إلى ازدياد الرفض، بالإضافة إلى ظواهر رفضٍ توصَف بأنها ما زالت رمادية، وعمليات تهرُّب غير معلنة من الخدمة في الجيش، لأسبابٍ يخفي ظاهرها باطنها وهو الرفض.
قبل أيام معدودة، تصدّت ليراز مرغليت، وهي باحثة متخصصة في مجال “السلوك في العصر الرقمي” من جامعة رايخمان في هرتسليا، لتفسير موقف نتنياهو، فأشارت بدايةً إلى أن نمط سلوكه يشي بأنه ذو شخصية شمولية ورُهابية، وبالنسبة إلى شخصيةٍ كهذه، عندما تواجه أشياء صعبة تكون من ناحيته مثل الموت. وبحسب ما تؤكد، نتنياهو يتملكه الرعب في الوقت الحالي. ورعبه هذا يتمظهر على مستوى الوعي واللاوعي، ففي وعيه يبدو نتنياهو مرعوباً من فقدان حُكمه، ولكنه على مستوى اللاوعي يبدو مرعوباً من إمكان فقدان معنى حياته وسيرته، والذي يرسّخ إرثه. فعلى مدار مسيرته، بنى لنفسه صورة أنه منقذ الشعب اليهودي، وهناك إشارات قوية إلى أنه يؤمن بهذا الأمر قلباً وقالباً، كما يؤمن به قسم كبير من مؤيديه المقرّبين، ولكن هذا المعنى آخذ بالتنائي عنه رويداً رويداً. وإذا كانت صورة المنقذ ملازمة له في الفترات الماضية فإنها لم تعد كذلك منذ 7 أكتوبر (2023). وفي قراءة هذه الباحثة، يكمن في هذا السبب الأبرز الذي يُحتمل أن يفسّر فقدان التوازن لديه بين حاجاته وتطلعاته الخاصة وبين حاجات الجمهور الإسرائيلي العريض وتطلّعاته.
العربي الجديد