عن خروج الفلسطينيّ من الجيتو


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

أفهم جيّدا الذين يعبّرون عن تضامنهم ونصرتهم لغزة التي جعلتها إسرائيل جيتو فلسطيني تنطبق عليه كل مواصفات الجيتو اليهودي في أوروبا قبل 80 عامًا. لكن هناك فارق في حجم العدوان الذي يقع على غزة كلّ يوم بكل أنواع الأسلحة. وأفهم مشاعر الغضب حيال هذا التمدير المنهجيّ لحياة الساكنين في غزة وهم مليونا إنسان. بيد أن الغضب لا يكفي والتنديد بإسرائيل وغطرستها لا يكفي ولا سكوت العالم الحرّ وغير الحرّ بما فيه أنظمة العرب التي يعمل بعضها عرّبًا لدى إسرائيل. هناك حاجة للتفكير لأن لا شيء تغيّر في هذه المعادلة سوى للأسوأ بالنسبة لأهل غزّة. وهذا لا ينتقص من حق الشعب الفلسطيني أن يُدافع عن نفسه ومن حقّ أهل الجيتو أن يحاولوا كسر الحصار.

وحتى لا تنحصر مسألة فلسطين في هذه البُقعة ورؤيتها على مداها الجغرافيّ والتاريخيّ والسياسيّ لا بدّ من التفكير خارج الصورة التي تبثّها إسرائيل. وهي صورة تُمعن في قهرنا فنجد أنفسنا ملزمين بالرد. وكثيرة هي الردود التي تعبّر عن الانقهار لا عن الانتصار، عن الوهم أكثر منه عن الحلم، عن فكرة غيبيّة أكثر منها فكرة عمليّة.

إذا ما أردنا تغيير الميزان الاستراتيجي بين فلسطين والاستعمار الجاثم فوقها لا بدّ من رؤيا أوسع من تلك التي تقول: “امتلك مزيدًا من الصواريخ تمتلك مزيدا من الردع! أو وسّع راديوس صواريخك لتستطيع فكّ الحصار عن جيتو غزّة. هذه عقيدة تبسيطيّة لطبيعة توازنات القوى وربّما كانت نسخًا لعقيدة حزب الله الذي دمّر لبنان وشارك في تدمير سوريّة وتشريد شعبها. وهي بائسة تمامًا إذا ما تلخّصت مطالبها من إسرائيل المعتدية أن تكفّ عن اغتيال قيادات “الجهاد”!

لكن الأمر الذي يغيّر من الوضع قائم في مستويات أخرى وهي:

ـ أن تكفّ الفصائل الإسلامويّة عن اختزال قضية فلسطين بصواريخ لم تثبت جدواها في تحصيل أي حقّ ولا مكسب حتى المعنويّ. إلّا إذا اعتبرنا مقتل المسنّة في “رحوبوت”، أمس، مكسبًا.

ـ إذا تخرج من دائرة اللعبة الإسرائيلية الاستراتيجية ـ يؤكّدها المسؤولون فيها يوميًّا ـ وهي منع نشوء إرادة سياسيّة فلسطينية واحدة ذات مشروع واحد واعتبار تشتيت الإرادة أهمّ من تشتيت الشعب وتقسيم الجغرافيا.

ـ الفعل الاستراتيجي الفلسطيني إذا سمّيناه بهذا الأسم في هذه المرحلة ينبغي رفض التقسيم الإسرائيلي والمبادرة إلى بناء الإرادة الواحدة من جديد مهما يكن الثمن. ولا حاجة في هذا لأكثر من الإرادة الفلسطينية. لا حاجة لمصر أو قطر أو تركيا أو أي نظام عربيّ آخر. لا الصواريخ ولا أي عملية أخرى تعوّض الشعب الفلسطيني عن هذا الانقسام الذي تعتبره إسرائيل إنجازا استراتيجيًا لها.

ـ الفعل الاستراتيجي الثاني المطلوب هو الانطلاق إلى تدويل القضية من جديد بكل القوة والطاقات لمحاصرة إسرائيل واعتراض مشروعها الحاصل الآن وهو إخضاع الشعب الفلسطيني وتطويعه وشلّ إرادته التي تطالب بالتحرّر وحق تقرير المصير. تابعوا الخوف الإسرائيلي من خطوة كهذه ستكتشفون أنه أكبر بألف ضعف من الخوف من الصواريخ مهما كان مداها.

وجود الشعب يضمحلّ ويذوي بدون إرادة سياسيّة جامعة. هذا وحده يُغيّر المعادلة في مساحة التاريخ ويوفّر على فلسطين وجيتو غزة وجيتوات الضفة دماء كثيرة ويفتح لأهلها باب الأمل.

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

Author: مرزوق الحلبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *