عن تطلعات الصهيونية الدينية
قبل أن يتولى نفتالي بينيت منصب رئيس الحكومة الإسرائيلية، باعتباره أول مندوبٍ من تيار الصهيونية الدينية يصل إلى هذه المرتبة الرفيعة، ظهرت عدة أبحاث استشرفت أن تكون هذه الغاية أحد أبرز تطلعات هذا التيّار في سعيه المنطلق بقوة منذ أعوام طويلة لمغادرة شرنقته الفئوية، ولأن يحظى بقبولٍ من لدن أوسع شرائح المجتمع.
ويكشف كتاب صدر حديثًا في إسرائيل بعنوان “الثورة الثالثة.. مبادئ العقيدة المسيانية الساعية إلى تحويل إسرائيل إلى دولة يهودية تكون التوراة دستورها”، للباحث والحقوقي يائير نهوراي، أن هذا المسعى يتخذ راهنًا صفة “الثورة الثالثة” في مسلك اليهود الأرثوذكس داخل صفوف الحركة الصهيونية، بعد أن كانوا في بداية طريقها، من أشدّ المعارضين لها ولهدفها إقامة “وطن قومي لليهود” عبر إحراق “مراحل الخلاص المنتظر”.
وتعبير “الثورة الثالثة” مُستمدّ، كما يؤكّد مؤلف الكتاب، من أحد حاخامي الصهيونية الدينية، وهو إيلي سدان، مؤسّس المعاهد التمهيدية التي تجهز الشبان المنتمين إلى الصهيونية الدينية للخدمة الإلزامية في صفوف الجيش الإسرائيلي، والحائز “جائزة الدولة الإسرائيلية” عام 2018 عندما كان بينت يتولى منصب وزير التربية والتعليم في حكومة بنيامين نتنياهو الرابعة (2015- 2019). وسدان هو رئيس أبرز هذه المعاهد “معهد بني دافيد (أبناء داود)” في مستوطنة عيلي شمال شرقي رام الله.
بموجب رؤية سدان، كانت “الثورة الأولى” بقيادة الحاخام أبراهام إسحق هكوهين كوك، الذي كان حاخام مدينة يافا والمستوطنات اليهودية المجاورة لها قبل النكبة، وأصبح الحاخام الأشكنازي الرئيسي الأول بعد إقامة إسرائيل، وتلخّصت في فكرة أن “الاستيطان اليهودي في أرض إسرائيل هو بداية الخلاص”، وأن الهجرة إلى فلسطين ولاحقًا إلى إسرائيل هي بمثابة فريضة على جميع اليهود في العالم. واعتبر أن الصهيونية جزءٌ من “خطّة إلهية” موجّهة من أعلى. ولذا هي ليست إلحادًا برغم أن من يقودونها هم علمانيون. وجاءت ثورة كوك بمثابة ردّ على رؤية اليهود الحريديم المعارضين للصهيونية بأنه لا ينبغي منح الحركة الصهيونية أي معنى ديني، لأن قيادتها علمانية ولا تستند إلى مشاعر دينية أو إلى الإيمان بالربّ.
و”الثورة الثانية” حدثت عقب حرب 1967، وبعد احتلال إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء، حيث أسّس نجل كوك، الحاخام تسفي يهودا كوك، المعهد الديني الكبير مركاز هراف في القدس، وأقيمت حركة غوش إيمونيم، وبدأت عملية الاستيطان في الأراضي المحتلة. وإثر ذلك، تحوّل هذا التيار من حركةٍ تسير في فلك حزب العمل إلى حركةٍ تجرّ وراءها رؤساء حكومات لتطبيق فكرة “الاستيطان في أرض إسرائيل الكاملة”.
كذلك أصبح أتباع التيار الصهيوني – الديني الجهة القيادية في سلك التربية والتعليم، وأقاموا مؤسساتٍ تعليمية ودينية خاصة بهم، وتولوا مناصب حاخامي المدن، وكان ذلك أحيانًا على حساب الحريديم. وبعد أن أسّسوا مدارس دينية ثانوية ومعاهد دينية تمهيدية للخدمة العسكرية، أصبح حضورهم وتأثيرهم العام يتّسع على نحو كبير.
ويعود أحد أسباب اتساع تأثير الصهيونية الدينية في الحيّز العام الإسرائيلي إلى تزايد انخراط شبانها في الجيش، وبالأساس، في وحدات النخبة القتالية، وبالتالي، حصلوا على رتب عسكرية عالية، وتولوا مواقع قيادية في الجيش. وفي الأعوام الأخيرة، وصل أحد الضباط من أبناء هذا التيار، اللواء يائير نافيه، إلى منصب نائب رئيس هيئة أركان الجيش.
وتتلخّص “الثورة الثالثة” التي يعمل سدان على الدفع بها في تعزيز سيطرة أتباع الصهيونية الدينية على مختلف مؤسسات الدولة وتضييق الخناق على العلمانيين، والأهم ترويج أن “التوراة هي دستور إسرائيل، الحمض النووي للدولة اليهودية”.
ويُشار إلى أن بينيت نفسه سبق أن أعرب عام 2017 عن رغبته بأن تستند إسرائيل إلى الأساس اليهودي، وأن تعيد تصميم المجتمع الإسرائيلي وفقًا للصورة الحالية للصهيونية، ما دفع أحد المحللين إلى التحذير: “أعط الدين المجال للسيطرة، وأعطه جيشًا، وستحصل على وحشٍ”.
عن العربي الجديد