عن انتخابات الكنيست وتداعياتها

رغم قرار حل الكنيست وإجراء الانتخابات العامة الحادية والعشرين في إسرائيل، في التاسع من نيسان/إبريل المقبل، إلا أن الدورة الحالية والحكومة هما الأطول منذ ثلاثة عقود، وستتخطى الأربع سنوات، رغم ضيق قاعدة الحكومة الحالية الأكثر يمينية وتطرفًا في تاريخ إسرائيل (61 مقعدًا فقط) من أصل 120 مقعدًا قبل انضمام أفيغدور ليبرمان لها ثم انسحابه منها، وقد تم خلالها تمرير أكثر القوانين العنصرية والاستعمارية، ومنها قانون القومية اليهودية، وقانون تسوية المستوطنات عبر شرعنة سرقة الأراضي الفلسطينية، وغيرها من القوانين الكثيرة 

استغل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أزمة قانون تجنيد اليهود المتزمتين (الحريديم) كذريعة لتقديم الانتخابات سبعة شهور عن موعدها في تشرين ثاني/نوفمبر المقبل. كان نتنياهو ينوي تقديم  لشهر أيار/مايو وليس نيسان/إبريل، ولكن غضب المجتمع اليهودي على نتنياهو بعد جولة القتال الأخيرة مع المقاومة في غزة دفعته لتأجيل حل الكنيست، وكان قد خطط لتوظيف احتفالات إسرائيل الواحدة والسبعين لقيامها التي تصادف نهاية نيسان المقبل لصالحه، وعرض إنجازاته السياسية والعلاقة مع بعض الأنظمة العربية، ليدّعي أنه الأقدر على مواجهة التهديدات العسكرية والأمنية التي تهدد إسرائيل على مختلف الجبهات.

 

كان نتنياهو يريد الانتخابات في أيار لاستغلال احتفالات إسرائيل في شهر نيسان واستعراض إنجازاته، لكن ملف الفساد جعله يُقدم الانتخابات إلى نيسان

إعلان المستشار القضائي افيحاي مندلبليت، أن قراره في ملف نتنياهو سيصدر بحلول عيد الفصح اليهودي نهاية نيسان، دفع نتنياهو لتقديم الانتخابات واستباق لائحة الاتهام لإظهارهم كمن يتدخل في الانتخابات ضده، وأن التحقيقات هي مؤامرة تستهدفه من القضاء واليسار والصحافة، مستغلاً وقوف “الليكود” لجانبه، حيث ظهر أعضاء “الليكود” وخاصة اليهود الشرقيين كالقبيلة بدفاعهم عنه مصدقين قصة المؤامرة، خلافًا للآخرين الذين طالبوا بمغادرته. وقد أظهر استطلاع رأي بعد الإعلان عن الانتخابات أن نسبة الإسرائيليين الذي يريدون تغيير نتنياهو بلغت 52%، مقابل 34% يريدون بقاءه، وهم مؤيدو اليمين في إسرائيل .

اقرأ/ي أيضًا: كيف سيؤثر حل الكنيست على الضفة وغزة؟

اختيار موعد الانتخابات يكشف مخطط نتنياهو لإرباك المستشار مندلبليت ودفعه لتأجيل إعلان قراره بشأن ملف الفساد إلى ما بعد الانتخابات. وفي حال صدور القرار بعد الانتخابات، سيكون نتنياهو أكثر قوة لحصوله على تفويض الشعب، وسيتذرع بـ”احترام إرادة الشعب” لكي لا يستقيل، مبررًا ذلك بأن الإرادة الشعبية هي مصدر الشرعيات .

رغم حل الكنيست، إلا أن الحكومة مستمرة، وستصبح الانتخابات، العامل الأهم لسياسات نتنياهو، خاصة أن خصومه سيركزون على فساده، إلا أن نتنياهو سيفرض قضايا الأمن والخوف والاستيطان والضم على الحراك الانتخابي والنقاش العام، كما حدث في العدوان على سوريا والمصادقة على مشاريع استيطانية ضخمة في الضفة قبل أيام؛ رغم عدم البدء في الحملة الدعائية الانتخابية، لأن حصر الحراك في الفساد والرشاوى سيضعف نتنياهو و”الليكود”، خاصة بعد ارتفاع شعبية رئيس الأركان السابق بيني غانتس الذي سيخوض الانتخابات على رأس حزبٍ جديد بادر لتأسيسه.

حسب الاستطلاعات، يبقى نتنياهو أقوى المرشحين كما معسكر اليمين في ظل تفكك ما يسمى باليسار، ولكن تبقى الاحتمالات مفتوحة بعد ترشح مجموعة من القادة العسكريين السابقين، مثل إيهود براك وموشي يعلون وبيني غانتس ضد نتنياهو، وسيضطر نتنياهو للتقرب أكثر من المستوطنين، وسيصبح أسيرًا لهم حتى تشكيل الحكومة القادمة، وهذا سينعكس على المشروع الاستيطاني الذي سيذهب نتنياهو بعيدًا فيه.

 

نتنياهو سيذهب بعيدًا في المشروع الاستيطاني وسيصبح أسيرًا للمستوطنين حتى تشكيل الحكومة القادمة، بعد ترشح قادة عسكريين سابقين ضده، وبسبب ملف الفساد

سيوظف المستوطنون الانتخابات وحاجة نتنياهو لهم لشرعنة البؤر الاستيطانية النائية وتوسيعها وربطها وتحويلها لكتلٍ استيطانيةٍ كبيرةٍ تفصل محافظات الضفة عن بعضها، كما حدث قبل يومين حين صادقت الحكومة على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية ومناطق صناعية وجامعة ومراكز ومؤسسات ثقافية وتجارية موزعة على كل الضفة، لخلق واقع استيطاني لا يمكن التراجع عنه مستقبلاً.

وبخصوص احتمالات التصعيد العسكري، فقد يؤدي حدثٌ بسيطٌ في الفترة القادمة الحساسة إلى مواجهة مفتوحة، رغم أن نتنياهو غير معني بالتصعيد غير المضبوط الذي قد يأتي بنتائج عكسية كما حصل مع منافسه شمعون بيريز في انتخابات 1996، عندما اغتال الشهيد يحيى عياش، فجاءت ردود حماس النوعية التي ضربت الأمن الإسرائيلي وأسقطته. وما يعزز خشية نتنياهو من تكرار ذلك المشهد، حديث مسئول حركة حماس في الخارج ماهر صلاح قبل أيام خلال احتفال انطلاقة حماس، حين أعاد تذكير المستوطنين بأيام يحيى عياش ومحمود أبو الهنود.

منذ اتفاق أوسلو وقيادة السلطة الفلسطينية تراهن على تغييراتٍ في الانتخابات الإسرائيلية، لكن كل كنيست يأتي أكثر تطرفًا من سابقه، بعد أن مرت إسرائيل بتحولات بنيوية عميقة أنهت عملية أوسلو، فيما لم يطرأ تغييرٌ جوهريٌ على السياسة الفلسطينية الرسمية التي لا زالت تتبنى خطاب أوسلو.

ثم إن إقرار الكنيست الحالي قانون القومية، وقانون تسوية المستوطنات، سيشكلان أرضية لإقرار قانون ضم أجزاءٍ من الضفة الغربية في الكنيست القادم، وبالتالي عمليات تطهير عرقي كإعلان رسمي عن وفاة ما تبقى من عملية سياسية وهمية، مع الإشارة إلى أن خيارات الطرد الجماعي أصبحت تُطرح وحصلت على الشرعية في النقاش العام، حتى أن شخصيات سياسية تخشى وتخجل أن تعرف نفسها بأنها “يسارية، لأن مصطلح” يسار” أصبح شبهة في إسرائيل، في مجتمع يميني يسير باتجاه الفاشية التي تتغذى وتزداد قوة من الحالة الفلسطينية الممزقة؛ التي شكلت فرصة لليمين للحسم النهائي لمستقبل الضفة .

عادل شديد

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *