في الآونة الاخيرة حذفت الكثير من الأسماء في لائحة أصدقائي. أحدهم اتهمني بأنني صليبية لأنني كشفت عنصريته المبطنة بالكلام المنمق، واخرى لأنها كشفت عنصرية الطرف الآخر، وآخر لأنه شتم المثليين بتعالي وعنجهية من يعتقد أنه يفهم في جميع الأمور فشعرت بالإشمئزاز منه, والآخرلأنه اتهمني بأنني أدعم الصهيونية بسبب انتقادي لل”سيد”, ولنفس السبب اتهمني آخر بأنني من مؤيّدي جعجع فسقط هو الآخر.
تساءلت.. كيف استطعنا ان نحوي كل هذا الاختلاف داخلنا, وكل هذا الرفض بعضنا للآخر, مع أننا نعيش نفس الواقع…
فكرت كثيراً.. في عصر الذهول الذي نعيش به, في هذا العصر الذي تُقرصن فيه حكومة منتفعين, وتسرق حمولة سفينة وتخزنها دون سبب واضح فتنفجر بلحظة وتدمر مساحات واسعة من “ست الدنيا”, ومع ذلك ينتقد البعض حق شعبها ان يخرج الى الشوارع… فكرت كثيراً ماذا تعني الكرامة ؟ ما هو الانتماء ؟ ما هو الوطن وما هي مساحته ؟
ثم جاءت الإجابات من حيث لا أدري…
بالأمس شاركت في تظاهرة نظمت على يد فلسطينيي الداخل, داعمة لحق الفنانين العودة لعملهم, بعد أن منعتهم حكومة الرأسمالية الجشعة في اسرائيل العودة لتقديم العروض بسبب الكورونا.
عندما وقفنا وقفة حداد على ضحايا بيروت وأنشدنا لها أغنية من دواخل قلوبنا, أحسست بأن الوطن يمتد لمساحات يصعب على قلبي استيعابها دون التعب.
ثم أنشدنا “منتصب القامة أمشي” فشعرت بأن الإنتماء يضيق لمساحة أصبحت صغيرة جداً, تضم من هم ما زالوا قادرين على الوقوف منتصبي القامة بالرغم من المحاولات المكثّفة لتزييف وعينا وتاريخنا وآمالنا, المحاولات المُمنهجة لتجهيلنا, وبرغم جميع الأحمال الملقاه على عاتقنا في هذا الوطن الكبير.
عندما شارك الفنانون وتحدثوا عن علاقة الفن بالانسانية وعن علاقة الانسانية بالتعاضد بين أبناء الوطن الواحد, وعن علاقة التعاضد بالتماسك وعلاقة التماسك بالقدرة على حمل المسؤولية الصعبة… عند ذلك فهمت إنني الآن داخل الوطن, مهما كبرت مساحته ومهما قل عدد المشاركين.
جلسنا بعد ذلك في أحد المقاهي, فخطر ببالي أن سكان بيروت كان يجلس بعضهم في مقاهيها مثلنا عندما تحول خلال لحظات لرماد في أرضها, وقبلها سكان المدن السورية والفلسطينية والعراقية والليبية واليمنية ووو. خطر ببالي عند ذلك أنني أريد أن أموت وأنا على قناعة بأنني أقوم بما استطيعه لكي تتضح الحقائق, وأن اتمسك بما يجعلني أكون “انسان جميل”, وأن أجعل كرامتي ركيزتي وأجعل من المعرفة عَلَمي الذي أرفعه عالياً لكي يراه الجميع.
في هذا الزمن الغريب لدينا الكثير عما نحدث به أبناءنا, عن كل ما كان وتغير, عن زمانٍ كان أجمل وكان أوضح, وعن مستقبل هو حقً لهم أن نعمل دون هوادة لكي يكون جميلاً.