عن المواقف الجاهزة في علم الأخلاق الفيسبوكي


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

أليست الدفاعات المعلّبة هي ما يثبّط أخلاق الإنسان المفكّر ويعود به إلى حلبة الصراع الميتافيزيقي القديم بين الخير والشر؟ كيف يدّعي ممثّلو الانضباط الفيسبوكيون تبني الأخلاق والقضايا العادلة وهم غارقون في غواية الحُجج القاطعة؟

أليس الإنسان بحاجة ليفكر ويتأمل أولًا، كي لا يقتل؟ أم صارت الأخلاق تنتمي حقًا لغرائز الإنسان الحديث المحضة؟

في سعينا المستمر نحو خلقنة أنفسنا وتحرّرنا من أيدولوجياتنا نظن أن على المواقف الأخلاقية أن تصير شيئًا بديهيًا.
لكن كيف يكون ذلك؟

وهل يمكن للإنسان أن يتعامل مع الأخلاق بِبديهية يفصلها عن الفلسفة؟

أولًا دعونا نضع الجاني وضحيّته أو القضية السياسية أو الدينية المتنازع عليها في الفيسبوك خارج هذا السؤال.

هل يمكن للإنسان بكل مركبّات سلوكياته المعقدة أن يُمدح أو يُكرّم أو يُرجم على كلمة واحدة أو صورة واحدة أو موقف واحد؟ أليست فكرة الموقف الواحد سطيحة جدًا لمن جرّب أن يقرأ ولو لمرة واحدة في علم النفس؟

لا أريد التحدث هنا عن الناحية الفلسفية ولا أقول أن على الجميع أن ينظر بروح فلسفية، بل على الجميع فقط أن يفكّر قبل أن يتخذ موقفًا حتى وإن كان ذلك الموقف يقتصر على تواجده ضمن مجال رأيه الشخصي.

فكيف نريد الوصول للمغزى الأخلاقي من أصواتنا وآرائنا ودوافعنا في الهجوم والدفاع والاستنكار دون تفكير وتفسيرٍ وتبيانٍ وتحليل!
وكيف لنا أن نفهم المغزى الأخلاقي من أي شيء دون هذه الشروط؟! أي بدون فكرتنا عن ما يتم القيام به ومن أجل أي شيء! وضمن أي شكل للحالة السلوكية!

يتناسى المدافعون الفيسبوكيون أن المواقف الجاهزة نحو القضايا العادلة تثبّط المهمة الفلسفية للأخلاق في تحليل الواقع وإدراك خلفيات الفعل النفسانية لتجاوز خطوط التوجيه المعياري الأصولي والأحكام المُسبقة. فإذا تجاوز المرء هذه الخطوط بشكل فيسبوكي مُصطنع، سعيًا نحو أخلاق العالم الافتراضي، فإنه لا يزال يتعامل مع العنف والظّلم من تحت جلده ولن يستطيع أن ينظر للمشكلة الأخلاقية بروح فلسفية ليحلل بشكل نقدي بعيدًا عن هذا “الهيجان” الفيسبوكي العبثي.

نعتمد على المحاباة الفيسبوكية بتقديم الحقائق الخالصة -(كما في قضية الهجوم على سليم بركات على سبيل المثال لا الحصر)- وتفريغ النزاعات الفردية بين المرء وذاته، بالحكم على الآخرين والمطالبة بالقصاص، دون أي تجريد مفصلي، وبذلك نفقد قدرتنا على الدفاع عن الضحية أو القضية بشكل أعمق هنا والآن، ولكن أيضًا في الدفاع عنها كحالة أخلاقية في المستقبل، وذلك من خلال تأملنا النقدي المُستقبلي للفعل والنتيجة والقصاص.

عندما لا يستطيع المدافعون المتحمّسون النظر للأخلاق سوى كغريزة متأصلة فيهم سينغمسون بالفعل الواحد؛ ألا وهو القرار: أن يقرّر الإنسان ما هو الخير وما هو الشر. وأن تقرّر يعني أن يستيقظ بداخلك ماتركته نائمًا دون أن تستطيع إبعاده عنك. ربما الجاني وربما الضحية أو ربما أكثر الوحوش الضارية.

إذا كنت تريد بعد ذلك المزيد من السمعة الأخلاقية الحسنة في أحياء الفيسبوك، فعليك أن تدافع وتهاجم كوحشٍ ضارٍ مع الآخرين، وتهاجم وتدافع وتهاجم وتدافع فقط لا غير. وهذا “اللاغير” في دفاعه الثنائي المجرّد سيكون على حساب فهمنا لعمق العلاقة الفلسفية بين الضحية والفعل وبين الجاني وذاته.

هكذا تظل كل نضالاتنا “الفيسبوكية” في الدفاع عن القضايا العادلة معلقة في فراغ هذا العالم الافتراضي، وماعدا ذلك سننجح في الدفاع عن الضحية أو عن قضية ما هنا والآن، لكّننا بالتأكيد سنفشل في الدفاع عنها في الغد، عندما نصير يومًا جناةً في بيوتنا أو في العمل أو في الشارع بشكل عابرٍ، لا مفر..

 

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

Author: فريق التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *