(موجز مداخلتي في الندوة بعنوان “المسألة الدرزية في الدولة الحديثة” في عسفيا أمس الخميس، في قاعة المكتبة العامة)

ـ تشكّلت هوية الدروز في الإقليم على وقع ثلاث قوى متصارعة في الإقليم، المدّ القومي العربيّ والمشروع الصهيوني ومشروع ولاية الفقيه في العقود الأخيرة ولم يأتي بناؤها من داخل الجماعة سوى بعض الأفعال البنائيّة النابعة من العقيدة الدينية مثل المساندة المتبادلة في وقت الأزمات.

ـ الدولة الحديثة القائمة على فكرة حقوق الفرد والجماعات وعلى أساس العلاقة الدستورية بين الدولة ومواطنيها لم تُنصف الدروز ولم تمنحهم مكانة تليق بهم قياسًا بتضحياتهم. في سورية كانوا شركاء في طرد الاستعمار ونيل الاستقلال وكذلك في لبنان لكن الدولة أساءت إليهم بدل أن تمنحهم حقّ أتعابهم. وفي إسرائيل التي سلختهم عن مكان وثقافة انتمائهم للمشرق والثقافة العربية كافأتهم في نهاية المطاف بقانون القومية وبسياسات تخطيط حاصرتهم في بلداتهم.

ـ مع أزمة العقائد والأيديولوجيات ومع انهيار الدولة في لبنان وسوريّة يحقّ للدروز كجماعة أن يتدبّروا أمورهم لحماية وجودهم. الذي تعرض للخطر عدّة مرات،

ـ ربّما هي فرصة لبدء عملية بناء الهوية من داخل الجماعة. الأمر صعب لأن الدولة الحديثة شدّتهم إلى مركزها ومنعت منهم تطوير قدر من المجتمع المدنيّ القادر على البناء. أما في سوريّة ولبنان فإن الدروز أمام خيار أن يكونوا أو لا يكونوا. الضغط الواقع عليهم كبير وهائل وخياراتهم تتقلّص. في إسرائيل عليهم أن يقرروا العودة استعادة أنفسهم من التغريب في المشروع الصهيوني أو التحوّل إلى مرتزقة في دولة الأبرتهايد المتشكّلة أمامنا،

ـ لا يُمكن الركون إلى التاريخ أو الصُدف أو النوايا أو الغيب ـ هناك ضرورة لفعل مدروس ومحسوب لمواجهة التحديات ـ من إمكانية هدم البيوت وتضييق الخناق في إسرائيل إلى حرب محدودة أو شاملة عليهم في لبنان وسوريّة. ونُشير إلى السيولة الشديدة في المنطقة وإلى صراع المشاريع والقوى الإقليمية على كل المساحة التي يتواجد فيها الدروز،

ـ لا يكفي أن يتحرّر دروز فلسطين من سطوة الأسطورة الإسرائيلية الصهيونية كما حاول المرحوم قيس فرو في كتابه الفارق “دروز في زمن الغفلة”، هناك حاجة إلى التحرر من إرث الأساطير العروبيّة لا سيّما في الدولة السوريّة ومن ثقل الإيديولوجيا البائدة. أن تكون حرّرا يعني أن يكون وعيك قادرًا على تفكيك المنظومة السياسيّة القهرية القابضة التي تعيش في كنفها،

ـ هناك دعوات تصدر للدروز في إسرائيل أن يعودوا عربًا كردّ على قانون القومية ـ وهذا مُضحك ينبع من عدم فهم الهوية وتشكّلها ـ في غالبيتهم الساحقة خرجوا ضد القانون لأنه أعادهم عربًا وليس لأنه أخرجهم من هوية إسرائيلية لم تعد قائمة. في هذه المرحلة يكفي أن يعود الدروز في إسرائيل إلى أنفسهم بوصفهم دروزًا أن يستعيدوا أنفسهم وعقيدتهم من التحريف والتجيير الذي حدث. كما أن الإقليم العربي على ما فيه مأزوم وليس فيه أي نموذج يستلهمون منه.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *