عن الفلسطيني الهارب من هويّته
هروب الفلسطيني من هويّته يحصل كلّ يوم (منصور عباس نموذج حيّ) في اللقاء مع اليهودي،
في الجامعة والعمل والشارع وحتى في الهيئات التي تجتمع على أساس أن المجتمعين هم فلسطينيون ويهود يلتقون لغرض فحص العلاقات بينهم واحتمالات هذه العلاقات في المستقبل. حتى هنا يختبئ بعض الفلسطينيين أحيانًا وراء هويّاتهم المهنيّة أو اللقب الأكاديمي أو التخصّص أو الوظيفة أو وراء هوية فضفاضة ـ كلنا بنو آدمين، أهم شيء أن تكون إنسانًا، أنا مسلم، أن شياطين خُضر وما شابه.
يُحاول زملاؤه اليهود أن يُقنعوه أنه ليس جريمة أن تكون فلسطينيًا ولا هي فعلة مُشينة ولا حردبّة على الظهر أو وصمة في الوجه ـ وأنهم أتوا للقاء فلسطينيين بوصفهم كذلك. ومع هذا فإن بعض أهلنا يهربون من هويّتهم إلى “هويّة” آمنة ـ كما يعتقدون واهمين.
بعض الهاربين يزيدونها فلا يتركون صفة من لدن اليمين العنصريّ إلّا وألصقوها ببقيّة شعبهم ولا يتردّدون في وصف شعبهم وقيادته بالتطرّف والإرهاب،
وهناك مَن يهرب من هويّته فلا يتحدّث سوى العبرية بلهجة أشكنازية ولثغة تقضم الراء مثلًا.
وهناك من يلتصق بمؤخّرة اليهودي مقلّدًا،
وهناك مَن يهاجم شعبه وهويّته بمناسبة أو بدون مناسبة،
في كل هذه الحالات يقول الهارب ـ “أنا لست مثلهم وأنا لست منهم وأنا أصلا ضدهم، معك يا ابن العم وليس معهم!”
قد يكون الأمر نابعًا من مبنى القوى الموضوعي في السياسة
وقد يكون عدم اكتمال في الهوية،
وقد يكون أن الهارب يعتقد أنه بهروبه ينجو من السؤال أو بنفسه،
وقد يكون في أساس هذا الاعتقاد أنه الضامن لوظيفة أو منصب أو مصدر رزق،
وقد يكون ألف سبب آخر، أن الهارب شخص “خرائي” أو “انتهازي” أو مهزوز وهزّاز ـ كلّها ممكنة،
لكن الأكيد الأكيد الأكيد أن اليهودي لا يحترم إلّا الذي يحترم نفسه،
الأكيد الأكيد أن اليهودي ـ الشخص أو السلطة أو صاحب العمل ـ سيسعى إلى “استغلال” الهاربين لتحقيق مصالحه هو،
والأكيد الأخير أن الهارب سيظلّ في نظر اليهودي مجرّد موضوع وليس ذاتًا.
والأكيد بعد الأخير أن الهاربين من هويّتهم يخافون وينأون بأنفسهم بل يكرهون حملة الهوية الفلسطينيين الذي يعيشون بها وفيها ومعها في كل مكان بكامل قاماتهم وذواتهم دون اختزال أو تمييع.