عن العرب في الحكومة الجديدة أن يكفّوا عن البطولة/التمسكُن

أن تكون عربيًّا فلسطينيًّا في إسرائيل يعني أن تعيش تناقضًا وجوديًّا بين ما أنت عليه من هوية وتاريخ ورواية وتطلعات وبين سيادة الآخر اليهودي الذي أرادها دولة له حصرًا. وقد استطاع العربي الفلسطيني هنا أن يتشاءل كي يبقى ويظلّ هنا. كان ملزمًا إلى يومنا هذا أن يساوم ويُقاوم كي يكون. حياته بدت ملحمة من هذا وذاك. منّا من تصالح مع هذه الملحمة إلى الآن وحاول أن يعيش وعيه الهويتيّ على نحو ما أقرب إلى المقاومة ومنّا مَن اختار أن يكون أقرب إلى المساومة. ولكل منهما اعتباراته و”منطقه”. بمعنى أن مجرّد بقائنا هنا مُكلف على صعيد الخيارات اليومية التي نتخذها. أن تنتخب أو لا، أن تقبل دعوة لمشاركة في حدث ما أو لا، أن تكون في هذا المكان أو لا.

أمّا أن تكون شريكا في ائتلاف حكومي لنظام هو أقرب إلى الأبرتهايد من كل شيء آخر فهي مسألة في مستوى آخر. وهي مختلفة عن كونك عضوا في البرلمان لأن السلطة التشريعية كمؤسسة تمثيلية تختلف هي، أيضا، عن الحكومة كسلطة تنفيذية وصانعة لقرار عمليّ وسياسات وجرائم. فإذا كنت في البرلمان قد تكون معارضا ومقاوما لسياسات إجرامية بحق شعبك أو مواطني الدولة عموما. وإذا كنت في الائتلاف الحكومي يعني أن تكون شريكا في صناعة هذه الجرائم.

على شقّ ثانٍ من المعادلة، يستطيع الشريك العربي الفلسطيني (أو المسلم) في الحكومة أن يدّعي أنه يُريد ميزانيات وأن قضايا الناس اليوميّة لا تقلّ أهمية وأنه هناك لأجل هذه القضايا. حتى لو سلّمنا بأمر نوايا المدّعين فإن ادعاءهم هذا بحاجة إلى إثبات فرضيّته في وقت تُشير فيه كل العوامل المتوفّرة لنا بناءً على التجربة إلى أن لا أساس لهذه الفرضيّة. لننتبه إلى أننا بعد قانون القومية وسلسلة من التشريعات التي تعتبرنا أعداء ـ أنظر حملات الاعتقالات المستمرّة منذ شهر. ولننتبه إلى أننا أمام واقع جديد يتحوّل فيه النظام إلى نظام أبرتهايد (أنظر تعريفات أكاديمية إسرائيلية ومؤسسات حقوقية محليّة ودوليّة) هذا رغم الرتوش الديمقراطية ـ انتخابات وبرلمان. هذا ناهيك عن أن الصراع الجوهري في المساحة بين البحر والنهر لا يزال قائمًا بقوّة بين الصهيونية والشعب الفلسطيني وأن لهذا الصراع أثره في السياسات والقرارات التي اتخذتها الحكومة ـ أي حكومة ـ والتي ستتخذها اليوم وغدا.

من هنا فإن العربيّ الفلسطينيّ في الحكومة الجديدة لا يستطيع أن يكون في حكومة أبرتهايد دون أن يدفع ثمنًا لخياره هذا. والثمن هنا باهظ جدًّا خاصة على صعيد الهويّة والأخلاق. وعليه أن يكفّ كلّيًا عن اللعب بالكلام أو تصوير مشاركته على أنها فتح للآفاق وتحقيق للمكاسب خاصة أن النُخب السياسية العربية الفلسطينية هنا كانت حققت “مكاسب” دون أن تضطرّ لشراكة من هذا المستوى. فكثيرة هي الأمور التي يتحدث عنها الشركاء العرب في الحكومة لبجديدة كانت تحقّقت على حدّ علمنا عشية سقوط الحكومة الأخيرة لنتنياهو وأن مجمل ما يتحدثون عنه من وعود بميزانيات للمجتمع العربي لا يتعدّى 2% من الميزانية السنوية للدولة!

لقد استفادت النُخب اليهودية من مشاركة الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم في الانتخابات التشريعية واستثمرتها كتدليل على شرعية الدولة الحديثة العهد ـ إسرائيل ـ في نظر ضحاياها أيضا. وستستفيد النُخب اليهودية التي أقامت هنا نظام أبرتهايد من شراكة العرب الفلسطينيين معها في المرحلة المقبلة كغطاء لمشاريعها. للمفارقة التاريخية السياسيّة نقول أن هذه الشراكة تأتي في أوج تمدّد اليمين ومشاريعه (أنظر تهويد القدس وفكرة الضمّ) وفي أوج أزمة “الدمقراطية الإثنيّة” في إسرائيل. مشاركة لا تبدو لي قادرة على تغيير المعادلة بل هي خليّة مؤقّتة في تكريسها. وعليه أقترح على كلّ عربيّ مشارك في حكومة الأبرتهايد أن يتحمّل تبعات ما يصنعه وألّا يتباكى كأنه ضحية كما فعل نتنياهو أمس.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *