عن العرب “المندمجين”

طبيعية هذه السجالات التي تدور بين الذين “يندمجون” في السياسة الإسرائيلية ضمن ائتلافها الحكومي ـ كما الآن ـ وبين الذين لا “يندمجون”، بين الذين ينتقدون هذا الاندماج وبين المستعدّين لتطبيع العلاقة مع “الخواجات” مهما يكن الثمن. أقول “طبيعيّة” بسبب جوهر العلاقة بين المؤسسة الإسرائيلية كممثلّة لمجتمع الأكثرية اليهودية وبين العرب الفلسطينيين كأقلّية وطن أصلانية. أو للدقّة بسبب من طبيعة النظام السياسيّ في إسرائيل كنظام ميز عنصريّ وموقع العرب الفلسطينيين بالنسبة له.

العرب الفلسطينيون جميعًا هنا موضوع وليسوا ذات بالنسبة للنُخب اليهوديّة. “خطأ “في المشروع الصهيوني ينبغي هضمه وتصريفه على نحو ما. المرّة الوحيدة التي تحوّلوا فيها شبه شُركاء لقطاع من النُخب هو يوم كان مسار التفاوض مع م.ت.ف معتمدًا على تأييدهم. فيما عدا ذلك رفضت النُخب اليهوديّة أن تجعلهم شركاء في صناعة القرار والسياسات وفي التمتّع بالخير العام ـ الموارد. علمًا بأنهم شركاء كاملين في إنتاج ثراء الدولة ومواردها العامة. ليس هذا فحسب، بل كانوا على مدار عقود بتفاوت من فترة لأخرى ـ هدفًا للممارسات وسياسات عنصرية ولخطاب تحريض دموي من قيادات النُخب ووسائل الإعلام وهدفًا مًستباحًا لأجهزة الأمن على اختلافها.

لقد تعمّقت هذه السيرورة في العقدين الأخيرين، أو منذ اغتيال رئيس الحكومة يتسحاق رابين ـ ناحية تعميق نزع الشرعية السياسية وحتى الإنسانية. وبلغ الأمر ذروة جديدة عندما شاركت جموع من اليمين العنصريّ الهجمات على أحياء أهلنا في المدن الساحلية خلال شهر أيار الماضي.

في مثل هذه الحالة، يكون غريبًا أن يذهب العربيّ الفلسطينيّ رجلا كان أو امرأة، من حزب “ميرتس” أو “العمل” أو “الموحّدة” إلى ائتلاف حكوميّ يواصل هذه السياسات ويكمّلها في ميزانيته وسياساته الأمنية وفي نظرته إلى العربيّ الفلسطيني وإلى الصراع مع الشعب الفلسطينيّ بشكل عام. عندما يسعى العربي الفلسطيني إلى “الاندماج” في منظومة تستوفي كل شروط النظام الكولونيالي، فمن الطبيعيّ أن يكون مستهجنًا وعُرضة للنقد الشديد. لأن هذا “الاندماج” لا يعني سوى الخروج الإرادي من الجماعة بوصفها طموحًا وتطلعًا وموقفًا ومطلبا بإحقاق العدالة ولو النسبيّة له ـ وليس تخصيص الميزانيات فقط كما يُحاول المندمجون أن يدافعوا عن أنفسهم. فكل الميزانيات، وهي موعودة أكثر منه موجودة ـ لا تعوّض عن غُبن تاريخي لحق بنا بوصفنا فلسطينيين في إطار الصراع.

المندمجون في حالة كهذه هم “ورقة التين” التي تُغطي عقودًا من الغبن على كل المستويات. المندمجون هنا ـ في أحسن الأحوال ـ أناس يسعون لتحقيق طموحات فردية في إطار “الخلاص الفردي” ـ وهذا حقّهم ـ لكنهم يُريدون إقناعنا أنه لأجل العرب الفلسطينيين جميعًا، وأن اندماجهم سيقرّب خلاص الجماعة أو سيأتي ببعض الملايين إلى قرية هنا وبلدة هناك. لكن قد تصير القضيّة في منتهى البؤس تُثير القرف عندما يخرج علينا المندمجون بخطاب يُشبه خطاب اليمين أو المؤسسة الكولونيالية فيُخاطب مجتمعه كخواجة والمعارضين كحاكم عسكريّ! فنُدرك أنهم اندمجوا حدّ التماهي بالخواجات ولو قُيّض لهم لأرسلوا مؤيّديهم إلى ضربنا في بيوتنا وساحاتنا أو إلى اعتقالنا على ذمة نقدنا لهم ولسلوكهم الذي يصير في هذه الحالة مُخزيا ومُعيبًا بكل المعايير.

فاندمجوا لأسبابكم ـ وتحمّلوا الانتقاد من أبناء مجتمعكم. وهم ليسوا انفصاليين ولا متعصّبين كما يقول هذا المندمج وتغرّد تلك المندمجة ـ لكنه مجتمع عرف رغم كل التعقيد والالتباس بين أن يتطلّع إلى شراكات متكافئة ومتساوية مع المجتمع اليهودي وبين أن يندمج في مؤسّسة قامعة ومُضطهدة له ولشعبه. وهو مجتمع يعرف الفارق بين أن يسعى إلى نزع كولونيالية المجتمع اليهودي هنا وبين أن يندمج في المنظومة التي حوّلت الناس من الشعبيْن إلى براغٍ صغيرة وكبيرة وإلى ضحايا ـ وفي قانون القومية ما يوضّح كلّ شيء. ومع هذا كثر المندمجون. ربّما أن انكشاف منظومة التمييز العنصريّ يضطرّها إلى الاستعانة بمزيد من المقهورين لتغطّي بهم ما تعرّى وانكشف!

أو لنقلها بهدوء تام: عندما يندمج العربيّ الفلسطينيّ هنا في منظومة تمييز عنصريّ عليه أن يتوقّع أسئلة أبناء شعبه ونقدهم واستهجانهم.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *