عن الطوفان وأشياء أخرى: على طريق نكبة جديدة؟
ما زالت إسرائيل تسيطر على حياة ملايين الفلسطينيين في أجزاء فلسطين الستينية والأربعينية سواء بسواء. ولم تتوقف الدعوات في إسرائيل وخارجها لإقناع الفلسطينيين بمغادرة البلاد، لا سيما بعد العام 1967، بهدف الحفاظ على قوام الدولة اليهودية وترسيخ أمنها وتماسكها.
ورغم ربط هذه الدعوات في أحيان كثيرة، بأركان اليمين المتطرف (مئير كهانا مثلاً؛ ومن بعده حالياً بن غفير وسموطريتش وغيرهم كثير)، ما انفكت رموز وشخصيات يهودية رئيسية تؤيدها؛ فقد ورد على لسان الحاخام مناحيم مندلسون قوله لبعض المقربين، في بداية العام 1968 “كان على إسرائيل الطلب من العرب [في حرب 1967] المغادرة والانتقال للعيش وراء الحدود في الأردن”.
وفي العام 2004، رجح بيني موريس (الذي اشتهر بتوثيق عمليات الطرد في العام 1948) قيام إسرائيل بإنهاء: ما بدأته، ويقصد استكمال عملية التطهير الإثني لما تبقى من الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948 باعتبارهم “قنبلة موقوتة؛ لأنهم قادرون -ديموغرافياً وأمنياً- على إضعاف وتقويض الدولة. لذلك إذا وجدت إسرائيل نفسها مرة أخرى تحت وطأة تهديد وجودي، كما حدث في عام 1948، فقد تضطر إلى التصرف كما فعلت حينها” على حد قوله للصحفي آري شافيط.
لكن إيفي إيتام، الجنرال المتقاعد الذي شغل منصب وزير البنية التحتية الوطنية ثم وزير الإسكان والبناء في عهد رئيس الوزراء أرييل شارون، أكثر وضوحاً حين قال في العام 2006: “سيتعين علينا طرد الأغلبية الساحقة من عرب الضفة الغربية من هنا وإزالة عرب إسرائيل من النظام السياسي”.
وفي العام 2009، اقترح دانييل غوردس، أحد أبرز المعلقين باللغة الإنجليزية في إسرائيل، في كتابه “إنقاذ إسرائيل Saving Israel” ضرورة “التوصل إلى تسوية مع الدول المجاورة لإسرائيل (مصر، والأردن، وسوريا، وفي النهاية فلسطين) لاستيعاب عرب إسرائيل [لديهم]”.
وفي العام ذاته، ترشح قواد مواخير مولدوفا أفيغدور ليبرمان للكنيست على أساس برنامج يطرح تجريد الفلسطينيين في إسرائيل من جنسيتهم؛ ما لم يتعهدوا بالولاء للدولة اليهودية.
لا يبدو هؤلاء [النقاد والمحللون والسياسيون] استثناءات بنزعات إيديولوجية متطرفة على نحو ما، بل تحظى وجهات نظرهم تلك بتأييد شعبي واسع؛ ففي العام 2017، سأل د. خليل الشقاقي، من المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، اليهود الإسرائيليين عما إذا كان يجب “طرد العرب الإسرائيليين والفلسطينيين من [يهودا والسامرة] أو ترحيلهم من إسرائيل”. فكانت الإجابة نعم لنحو 40 ٪ من المستطلعين.
وفي ثلاثة استطلاعات أخرى طرحت أسئلة مماثلة بين عامي 2015 و 2016، تراوحت نسب تأييد الطرد بين 32٪ و58٪.
وإذا كانت الحرب تجعل السكان أكثر تطرفاً، فسوف ينعكس هذا على رأيهم في تأييد سياسة الطرد أو الترانسفير.
خلال الانتفاضة الأولى ارتفعت نسب الدعم اليهودي الإسرائيلي لطرد الفلسطينيين، ثم انخفضت بعد انتهائها، لترتفع من جديد مع الانتفاضة الثانية، وتعود للانخفاض بعد ذلك، وها هي ترتفع مجدداً بنسب قياسية بعد 7 تشرين.
الصورة: فلسطينيون يحملون بعض متاعهم ومتعلقاتهم بعد هدم القوات الإسرائيلية منزلين في بلدة دوما قرب نابلس في الضفة الغربية (الصورة وهاج بني مفلح. 2 شباط 2023)