
تستوقفني دائما المناسبات الدينية واستغرب قدرتنا على الجمع بين الاحتفال والألم، كما في صلب المسيح وقيامته، او في ذبح الأضاحي وتحضير كعك العيد.
يبدو أننا اعتدنا على مر السنين أن نوفّق بين تلك التناقضات، إلى أن يحدث أمراً يجعلنا نرتعد، كحمام الدم وحفلة تعذيب الحيوانات قبل ذبحها، في غزة.
قد نتسائل ما الفرق ؟ فنحن بمعظمنا آكلي لحوم.. وما الفرق فالعساكر ما زالت تُسيل الدماء من أجسادنا، وعساكرنا تقتل بدمٍ بارد المتظاهرين.
الفرق كبير جداً ومفصلي.. بين أن تكون إنساناً عاقلاً تحمل الرحمة داخل قلبك وتكرسها، وبين ان تترك لغرائزك العنان.
لقد عرف الإنسان الأضاحي منذ رفض الخالق، بحسب اسطورة آدم وحواء، أضحية قابيل وقَبِل أضحية هابيل، فدخل الحقد وجعل من الأول قاتلاً وجعل من الثاني ضحية.
ثم واصل الانسان تقديم الأضاحي لآلهته المختلفة، فكان بعضها فاكهة وحبوب، وكان البعض الآخر حيوانات مصطادة وكان منها أبناء البشر.
ثم استبدل الانسان الأضاحي بالصلوات والزكاة وابقى على الأضاحي بنسبة بسيطة.
لقد تغيرت طبيعتنا، بالمفهوم الايجابي، على مر السنين. فالانسانية، مع ما قامت به من حروب إلا أنها تحولت للسلم ولإنتاج كل ما يحتاجه الإنسان المسالم، وابقت الحروب كحلولٍ قاهرة، وليس كنهج دائم. ومع كوننا آكلي لحوم، إلا أننا تعلمنا أن نترك الحيوانات البرية وشأنها، وأن نربي الدواجن، نطعمها، ونحميها من المرض والجوع والافتراس، ونقتلها بوسائل حديثة تمنع عنها العذاب في لحظة القتل. نعم اعترف بأننا قاتلين في جميع الاحوال، ولكن على الأقل لا نستمتع بالدم ولا بعذاب الضعيف، وذلك يصنع فارقاً كبيراً يبقي على الرحمة التي نحتاجها جداً، داخل قلوبنا، وفي مجتمعاتنا. فإن تخلينا عنها نتوه، ويبدو أننا تهنا.
في قديم الزمان، كان الانسان يشعل النار لكي يتفادى الخوف من المجهول الآتي من الظلمة، وعندما اخترع الكهرباء ابقى على فكرة النار بواسطة الشموع.
في قديم الزمان كان الانسان يحتمي من الحر والبرد داخل خيمة، وعندما اخترع البيوت ابقى على الخيام للمتعة في السفر.
في قديم الزمان كان الإنسان يذبح الحيوانات بيديه، ويذيقها العذاب، وعندما اخترع الحِرَف ونَظّم الإنتاج أصبح قتلها بيد محترفين، سريعاً دون تعذيب.
فلماذا اذاً لا ننهي عادة ذبح الخرفان في الشوارع، التي تترك للساديين منا فرصة تعذيب الضعيف ؟ لماذا لا نشتري لحوم الأضاحي كباقي اللحوم، كما أصبحنا نشعل الشموع بدل النار ؟ اذا كان الخالق رحيماً ويريد للرحمة ان تدخل قلوبنا أفلن يتقبلها منا ؟؟…