عن الحرية والعدالة والمقاومة فلسطينياً…

في إطار الملاحظات الأولية حول الوضع الراهن والتي تم عرضها في مقال سابق، بات من الضروري تسليط الضوء بشكل أكثر وضوحاً على مفاهيم الحرية والعدالة والمقاومة فلسطينياً.
تم الإشارة سابقاً إلى أن الايمان بعدالة القضية الفلسطينية يستوجب بنفس المنطق الإيمان بحق التحرر السياسي والنضال من أجل الحرية والعدالة والكرامة لشعوب المنطقة بدون استثناء، وهذا بالتأكيد من المفترض أن يشمل عدم مناصرة الأنظمة الشمولية والقمعية في المنطقة العربية والعالم، فالعمق الاستراتيجي للفلسطينيين بالدرجة الأولى في مقاومتهم للاحتلال الاسرائيلي هو الشعوب العربية بعد نيل حريتها، وليس الأنظمة الحاكمة.

وبات من الواضح بعد جميع الأحداث التي حصلت في المنطقة العربية على مدار العقود الماضية، أن القضية الفلسطينية لها أبناء مخلصين لها ومنسجمين في الإيمان بعدالة قضيتهم مثلما هو إيمانهم بعدالة قضايا التحرر السياسي لأبناء المحيط العربي. وبنفس الوقت فإن الساحة السياسية تعجّ بالمدّعين للمناصرة أو المقاومة تنفيذاً لأجنداتهم الخاصة بهم، وهؤلاء منهم أطراف فلسطينية وأطراف إقليمية.

من زاوية أخرى، فقد لوحظ في السنوات الأخيرة انتشار بعض المقارنات غير الموضوعية بين بعض أنظمة الاستبداد العربي وبين الاحتلال الإسرائيلي، ولم تلتفت هذه المقارنات إلى الفرق بين منهجية نظام حاكم يدمر ويقمع ويعتقل ويقتل أبناء من شعبه، لتكريس استمرارية نظام حكمه، وبين دولة احتلال عنصرية استعمارية تم فرضها بحكم الأمر الواقع بعد احتلاها لجزء كبير من فلسطين عام 1948، واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السوري وسيناء المصرية عام 1967. فقضايا التحرر الوطني هي قضايا مشروعة بالتأكيد وهي لا تتعارض مع قضايا التحرر السياسي التي يخوضها الكثير من أبناء الشعوب العربية. ووجه الشبه بينهما يتجسد في حق الشعوب في تقرير مصيرها وتكريس مفاهيم الحرية والعدالة والكرامة دون تمييز، أما المقارنة بين أشكال الاستبداد والتعذيب والاعتقال وغيرها من الممارسات التي يشترك بها الاحتلال الإسرائيلي والأنظمة العربية القمعية فهي يجب أن تأخذ بالاعتبار أن إسرائيل تطرح نفسها بادّعاء أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، وتحكمها قوانين وعلاقات دولية تزيد من صعوبة خرق بعض الخطوط الحمراء، هذه الخطوط التي ليس لها أي حدود لدى العديد من الأنظمة العربية الاستبدادية. ولكن وبشكل مشابه فإن بعض هذه الخطوط الحمراء أيضاً ليس لها حدود لدى الاحتلال الاسرائيلي والذي هو نظام حكم قائم من حيث الجوهر على أساس ديني يتمثل بالإيمان بيهودية الدولة، وهو أساس عنصري بحت، يقوم الاحتلال بموجبه بكافة أشكال التمييز العنصري والتطهير العرقي وتدمير المساكن وشن الحروب والقتل والأسر والاعتقال وقصف المناطق المأهولة بالمدنيين.

ما يريده أحرار فلسطين من الأحرار في المحيط العربي والعالم، هو الإيمان بعدالة قضيتهم وحقهم في كافة أشكال المقاومة الشعبية طويلة الأمد، وكذلك أيضاً حقهم في الكفاح المسلح ضد الاحتلال متى ما سنحت الظروف لذلك، والمقاومة المسلحة ليست مفهوماً اخترعه الفلسطينيون، بل هي موجودة منذ قدم التاريخ، ولكن المصلحة الوطنية تتطلب تطبيقها ضمن حسابات دقيقة تخدم الهدف الأساسي لنهج المقاومة في نيل الحقوق المشروعة، وطرق تطبيقها تحتاج بالتأكيد إلى رؤية سياسية ثاقبة ومتوازنة والتزام بالمشروع الوطني الفلسطيني، دون الوقوع في فخ إملاءات أطراف إقليمية أو دولية لها أجنداتها الخاصة بها، والتي تستخدم قضية فلسطين كورقة ضغط في مشاريعها التفاوضية والحروب التي تخوضها مع الآخرين بالوكالة. أو كما تستخدمها بعض الأنظمة القمعية كغطاء لقمع معارضيها وتثبيت نظام حكمها.

ومن المفيد التذكير بأن نظرية الدولة الواحدة الديمقراطية التي يمكن أن يعيش فيها الطرفان، العربي والاسرائيلي، هي نظرية تأخذ بالاعتبار الأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل على العالم أجمع، وهي تؤمن بحق الطرفين العيش بسلام ضمن دولة ديمقراطية علمانية. ورغم أن هذه النظرية فيها العديد من التنازلات من الطرف الفلسطيني من ناحية الأرض والانتماء القومي والحق التاريخي، ورغم تزايد مؤيدي هذه النظرية بين الفلسطينيين والكثير من أنصارهم حول العالم، إلاّ أن العدو الأساسي لهذه النظرية هي إسرائيل نفسها ممثلةً بالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بكافة أطيافها، والتي لا تزال حتى اللحظة تؤمن بيهودية الدولة “العبرية” وتعمل كل يوم لأجل هذا الهدف من تهويد وتطهير عرقي، بل تحلم بيوم لا يبقى فيه أي عربي فلسطيني داخل دولتهم اليهودية المنشودة.

ما يريده أحرار فلسطين من شركائهم وأنصارهم في قضايا التحرر الوطني والسياسي هو التمييز بين المفهوم المطاط للإرهاب وبين المقاومة المشروعة، فمفهوم الإرهاب قد يرمز للإرهاب الحقيقي الناجم عن أي نوع من أنواع التطرف وموجه ضد أناس مدنيين، وهو مفهوم تستخدمه في نفس الوقت العديد من الدول حول العالم لمحاربة أعدائها أو تنفيذ أجندات خاصة بمصالحها الضيقة، و تستخدمه العديد من الأنظمة القمعية لمحاربة معارضيها، بينما حق المقاومة المشروعة للاحتلال بكافة أشكالها، هي حق طبيعي لأي شعب رازح تحت الاحتلال وتكفله الكثير من الدساتير والشرائع الدولية وأولها ميثاق الأمم المتحدة الذي تحدث عن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحق الدفاع المشروع عن النفس، ومبدأ احترام حقوق الإنسان وحريته. وهذا يأخذ بالاعتبار
أن الخدمة العسكرية في إسرائيل، هي تجنيد إجباري للرجال والنساء المواطنين في إسرائيل وفوق سن الثامنة عشر، باستثناء واسع لغير اليهود (وباستثناء أبناء الموحدين الدروز، والتي هي موضع خلاف بين المرجعيات الدينية للطائفة في عدة دول)، ولطلبة المدارس الدينية من اليهود. وفترة التجنيد هي 24 شهرا للنساء و36 شهرا للرجال.
– أخيراً، من المفيد التذكير أن أعداد الضحايا المدنيين في الحرب العالمية الثانية والتي بدأتها ألمانيا إبان العهد النازي بحرب توسعية استعمارية، قد بلغ ما بين 40 حتى 50 مليون نسمة من جميع الدول المتحاربة. فمن هو الطرف الإرهابي هنا؟.. سؤال جدلي ويحتمل إجابات عديدة…!

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *