عن: “الأنموذج الضائع”

كتاب “الأنموذج الضائع: من حل الدولتين إلى حل الدولة الواحدة”
(إصدار دار رسلينج רסלינג، ٢٣٠ صفحة ٢٠٢٢).
من كان يساوره بعض الشك بأن حل الدولتين كحل ممكن للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني ما يزال قائما وحيا فقد شكلت زيارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن الأخيرة للمنطقة (تموز ٢٠٢٢) دليلا واضحا على موت هذا الخيار وضربة للمسمار الأخير في نعش هذا الحل الموهوم.
ولم يمت هذا الحل نتيجة رفضه من قبل الفلسطينيين بل نتيجة مؤكدة لرفض كل من إسرائيل والولايات المتحدة المتواصل لتحقيق العدل وإنفاذ هذا الحل رغم تصريحات بعض الساسة الإسرائيليين والإمريكيين الداعمة له والمتماهية مع الممارسات العملية التي تعمق الاحتلال والاستيطان وتقمع الحريات والحقوق وتؤكد على يهودية الدولة وتهويد القدس بشكل خاص والحيز الفلسطيني بشكل عام وترفض عودة اللاجئين وتواصل سياسات الاعتقال والأسر ونقض الاتفاقيات مع الجانب الفلسطيني وخرق المعاهدات والمواثيق الدولية والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية.
لقد صدرت حديثا الترجمة العبرية لكتاب الباحث والمحلل الأمريكي اليساري البروفيسور إيان لوستيك: “الأنموذج الضائع: من حل الدولتين الى حل الدولة الواحدة”،

بروفيسور إِيان لوستيك باحث في العلوم السياسية في جامعة بنسلفينيا بالولايات المتحدة، مختص بالعلاقات الاسرائيلية- العربية ويعتبر أحد المؤسسين والرئيس السابق لجمعية دراسات اسرائيل، ألف لوستيك ونشر العشرات من الكتب والمقالات وهو باحث عميق ومحلل مبدع. ومن الجدير ذكره أن كتاب لوستيك الأول “العرب في الدولة اليهودية” صدر بالعبرية عن دار مفراس عام ١٩٨٥ حيث يُعد من أهم الكتب التي تناولت موضوع العرب الفلسطينين في إِسرائيل وساهم مساهمة مهمة وفعالة في تغيير الخطاب الأكاديمي حول الفلسطينين في الداخل.
يشتمل كتاب لوستيك على مقدمة للطبعة العبرية، وملاحظات للطبعة في اللغة الإنجليزية وخمسة فصول: تصدع في الجدار الحديدي؛ ثمن الكارثية، اللوبي والشرنقة، حل ميت يمشي، واقع الدولة الواحدة ومستقبلها. كما أُلحق الكتاب بفصل ملاحظات مفصل.
في مقدمته للطبعة العبرية والتي مزجت بين الجانب الشخصي والموضوعي قدم لوستيك عرض وجيز لتداخله بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي منذ عام ١٩٦٩ ونشاطاته وانطباعاته ونقدة اللاذع للحكومات الإسرائيلية الانتهازية واليمين المسياني الخلاصي ولممارسات الاستيطان والتهويد التي تفاقمت في كل من الضفة والقدس المحتلتين كما يبرر تحوله من داعم لحل الدولتين الذي لم يعد ممكنا تحقيقه الى داع لحل الدولة الواحدة وإدراكه أن التمسك والتصنع بهذا الحل اصبح مناف للقيم التي يؤمن بها كالالتزام بالديموقراطية والمساواة والحقوق المتبادلة وحق تقرير المصير لكل من اليهود والعرب الفلسطينين. كما يؤكد على أنه وصل الى قناعة مفادها ان الدولة الواحدة اصبحت واقع حقيقي للحياة في فلسطين- إسرائيل والطريق الى السلام والعدل هو الدمقرطة.
سوف تصدر لي قريبا مراجعة واسعة وشاملة لهذا الكتاب تُقدم للموضوع وتستعرض فصول الكتاب، تعقب عليه وتساهم بنقده. سوف يصدر المقال في العدد القادم من مجلة “مواقف”.